هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 683 - الجزء 2

  وقد أبطل هذا القول بوجوه: منها: أنه لو أريد بالجارية في قولك: «اشتريت الجارية إلا نصفها» نصفُها لزم استثناء نصفها من نصفها وهو استثناء مستغرق غير جائز بالاتفاق، وأيضاً يلزم من استثناء نصفها من نصفها التسلسل⁣(⁣١)، بيان ذلك: أنه لو أريد استثناء نصفها من نصفها لكان المراد بالنصف المستثنى منه هو الربع⁣(⁣٢)؛ لأنه الباقي بعد إخراج النصف من النصف، ثم يلزم أن يكون المراد به الثمن؛ لأنه الباقي بعد إخراج النصف من الربع، وهكذا لا إلى نهاية.

  (و) أجيب: بأنه (لا يلزم من: «شريت الجارية إلا نصفها» الاستغراق أو التسلسل لعود الضمير إلى ظاهر اللفظ⁣(⁣٣)، ومراعاة جانب اللفظ) في كلام


(قوله): «لزم استثناء نصفها من نصفها ... إلخ، وقوله: يلزم التسلسل ... إلخ» الأولى كما في الحواشي أن يقال: إذا أريد بالجارية نصفها فضمير إلا نصفها إن كان للجارية بكمالها لزم الاستغراق، وإن كان للجارية المراد بها النصف لزم التسلسل.

(قوله): «ومراعاة جانب اللفظ» وهو كمال الجارية، وأما بالنظر إلى إرادة المتكلم وهو النصف فيعود الضمير إلى ما يفيده ظاهر اللفظ من كمال الجارية، ولا يلزم أن يكون الاستثناء مستغرقاً كما ذكره المسعد؛ لأن كلامه مبني على ملاحظة المعنى، وما ذكره المؤلف # مبني على اعتبار مجرد اللفظ، فلا إشكال. ثم إن المؤلف # أشار إلى تحقيق يلاحظ معه جانب المعنى أيضاً أشار إليه في الجواهر نقلا عن السكاكي، وستأتي الإشارة من المؤلف # إلى نسبته إليه، بيانه أن المعنى وهو كمال الجارية أيضاً ملاحظ بالنظر إلى ما يفهم السامع، وذلك كاف في عود الضمير، وإلى هذا أشار المؤلف # بقوله: على أن ما يفهمه السامع قبل القرينة هو الكل، وقوله: والذي أطلق مجازاً على نصف الجارية ... إلخ، يعني فالسامع إنما يفهم التجوز بعد التقييد بالقرينة، وأما المتكلم فمريد للتجوز من وقت إطلاق اللفظ، لكن اعتبار فهم السامع كاف في عود الضمير وفي كون اللفظ حال الإطلاق حقيقة. قلت: ولا يتوهم أن التجوز هاهنا بالمجموع؛ لأنه سيأتي تضعيف المؤلف # في آخر البحث، بل التجوز هاهنا بلفظ العام فقط.


(١) قال بعض الأذكياء: لزوم التسلسل على تقدير أن يراد بالضمير ما أريد به الظاهر، والاستغراق على تقدير أن يحمل على المعنى الحقيقي، وهو معنى كلام السعد. (من خط السيد صلاح الأخفش).

(٢) يوضحه أنه استثنى من الجارية النصف، وهو يقتضي أن يراد بها النصف، ثم أخرج النصف من النصف، وهو يقتضي أن يراد به الربع، ثم أخرج النصف من الربع، وهو يقتضي أن يراد به الثمن، ثم أخرج النصف من الثمن، وهو يقتضي أن يراد به نصف الثمن، وهو جزء من ستة عشر جزءاً، وهكذا إلى غير النهاية، وهو المعني بالتسلسل هنا لا ترتب أمور غير متناهية. (علوي). هذا إذا كان الاستثناء إخراج بعض ما دخل في المراد، أما إذا كان لدفع دخوله في الإرادة لم يلزم ما ذكر. (جلال في شرح المختصر).

(٣) يوضحه: أن لفظ الجارية في الظاهر للمعنى الحقيقي، وإرادة النصف خلاف ظاهر اللفظ، فبالنظر إلى ظاهر اللفظ لا يلزم الاستغراق أو التسلسل، وبالنظر إلى الحقيقة يلزم أحدهما، فجاز الاستثناء رعاية لظاهر اللفظ، والله أعلم. (من أنظار السيد حسين الأخفش وخطه).