[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  جوزه في الآخر؛ إذ لا قائل بالفرق(١).
  قلنا: لا نسلم صدوره عن النبي ÷، وسكوته في الرواية الأولى يحتمل أن يكون من السكوت الذي لا يخل(٢) بالاتصال الحكمي كما مر بيانه ويحتمل أن يكون غيره، وحينئذ يصار إلى الترجيح، والراجح هو الأول؛ لما تقدم من الدليل جمعاً بين الأدلة.
  وأما في الرواية الثانية فلا نسلم أنه قال ذلك بطريق الإلحاق لخبره الأول؛ لجواز أن يكون المراد: أقول إن شاء الله، عند قولي: أفعل كذا، وهذا كما إذا قال قائل لغيره: «افعل كذا» فقال: «إن شاء الله»، أي: أفعل إن شاء الله.
  (وقيل:) إن شرطه الاتصال (في غير القرآن(٣)، وهو) قول (ساقط) قاله بعض الفقهاء.
  قال الجويني في البرهان: وإنما حملهم على ذلك خيال تخيلوه(٤) من مبادي كلام
(قوله): «لا نسلم صدوره» أي: تراخي الاستثناء لأنه متأول.
(١) هكذا في حاشية السعد.
(*) يقال: تقدم الاتفاق قريباً على عدم جواز فصل المتصل وعلى الخلاف في الاستثناء فينظر. (شامي). وأنه لا يجوز انفصال الشرط والغاية والبدل اتفاقاً، فكيف يقول هنا: لا قائل بالفرق؟ فليتأمل.
(٢) ضعف ابن الهمام في تحريره هذا الاحتمال؛ لأنه روى الحديث السابق هكذا: ألحق ÷: «إن شاء الله» بقوله: «لأغزون» بعد سنة فقال: وحمله - أي: الفصل - على السكوت لعارض مع نقل هذه المدة ممتنع.
(٣) وعلله المحلي في شرح الجمع بقوله: لأنه تعالى لا يغيب عنه شيء، فهو مراد له أولاً بخلاف غيره، وقد ذكر المفسرون أن قوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء: ٩٥] نزل بعد {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...} إلخ [النساء: ٩٥] في المجلس، وقرأه نافع وغيره بالنصب أي: على الاستثناء، كما قرأه أبو عمرو وغيره بالرفع أي: على الصفة. اهـ كلامه والله أعلم.
(٤) واعلم أن الشارح المحقق - يعني العضد - قد أخذ في بعض تعاليقه ذلك الخيال مذهباً، وزعم أن الكلام القائم بذات الله هو اللفظ والمعنى جميعاً وليس هو بمرتب الأجزاء حتى يلزم الحدوث، وإنما الترتيب في تلفظنا؛ لعدم مساعدة الآلة إلا على هذا الترتيب، وحمل المعنى في قول مشائخنا: إن الكلام الأزلي هو المعنى القائم بذات الله تعالى على ما يقابل الذات دون ما يقابل اللفظ، وأنت خبير بأن قيام اللفظ بذات الله تعالى مما لا يقبله العقل مرتباً كان أو غير مرتب. (سعد).
(*) حاصل كلامهم أن تأخير الاستثناء في القرآن جائز باعتبار وصوله إلى المخاطبين، وإلا فهو أزلي شيء واحد.