[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  المتكلمين الصائرين إلى أن الكلام الأزلي واحد وإنما الترتيب في جهات الوصول إلى المخاطبين، وإن كان قد تأخر الاستثناء فذاك في سماع السامعين وفهم الفاهمين لا في كلام رب العالمين.
  وهذا من هؤلاء اقتحام في العمايات، وارتباك في غمرات الجهالات؛ إذ الكلام ليس في الكلام(١) الأزلي، بل في العبارات التي تبلغنا، وهي محمولة على معنى كلام العرب نظماً وفصلاً ووصلاً، ولا شك أنه لا ينتظم من وضع العربية فصل صيغة الاستثناء عما يستثنى عنه.
  وروي عن سعيد بن جبير جواز الاستثناء ولو بعد يوم أو أسبوع أو سنة، وهو قول ابن عباس بعينه.
  وعن طاووس(٢): هو على ثنياه ما دام في مجلسه.
  وعن عطاء(٣): يستثني على مقدار حلب ناقة غزيرة. ذكر ذلك كله النيسابوري.
  وفي رواية أخرى عن سعيد بن جبير: إلى أربعة أشهر.
  وعن عطاء والحسن: ما لم يقم من المجلس(٤).
  وعن مجاهد: إلى سنتين.
  وهذه الأقوال كلها ضعيفة؛ لما تقدم(٥)، والمنقول عن هؤلاء الأئمة له تأويلات مبسوطة في بسائط الفن.
(١) وفي شرح ألفية البرماوي في تضعيف القول بعدم اشتراط الاتصال في القرآن ما لفظه: وضعف هذا القول بأن كلام الله إن أريد به القديم فلا يوصف لا بإخراج ولا بإدخال، وإن أريد به اللفظ المنزل ولو إلى اللوح المحفوظ كما قال المقترح فذلك إنما[١] هو على أساليب كلام العرب، ما امتنع فيه يمتنع فيه، وما جاز فيه جاز فيه؛ لأن القرآن إنما نزل بلغة العرب، فلا يكون مخالفاً للغتهم. تأمل.
(٢) ابن كيسان: واسمه العلم ذكوان، وقوله: ثنياه أي: استثنائه.
(٣) ابن أبي رباح.
(٤) وهو قول طاووس.
(٥) في قوله: ولاتفاق أهل اللغة.
[١] في المطبوع: بذلك فإنما. والمثبت من شرح ألفية البرماوي.