[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
[حكم الاستثناء الوارد بعد أمور متعددة]
  (مسألة): اختلف في الاستثناء الوارد بعد أمور متعددة هل يكون استثناء من الجميع أو من الأخير فقط؟
  ولا نزاع في إمكان رده إلى الجميع والأخير، وإنما النزاع في الظهور، وذلك مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ٤ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}(١) [النور].
  ولتحرير محل النزاع شروط(٢): منها: أن تكون تلك الأمور جملاً كما عبر به الأكثرون، لا مفردات، فإن في كلام ابن الحاجب وغيره ما يؤخذ منه الاتفاق على أنه بعدها يرجع إلى الجميع(٣).
  ومنها: أن يكون بعضها معطوفاً على بعض(٤) كما صرح به البعض ودل عليه أمثلة الآخرين وأدلتهم، وكلام البيانيين يقتضيه؛ لأن الفصل إن كان لكمال الانقطاع فهو قرينة على أنه لا يعود إلى الجميع، وإن كان لكمال الاتصال فهو قرينة على عوده إلى الجميع، والنزاع إنما هو في المحتمِل الذي لم تقم عليه قرينة.
  قال بعض علماء الأصول: لا خلاف في عود الاستثناء إلى ما قام عليه الدليل من
(١) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} إلى آخر الآية عندنا راجعة إلى الجمل الثلاث، إلا أن الأولى مخصصة بالقياس ... إلى آخر ما في شرح الآيات. وفي تيسير الموزعي: وعندي أن الملجئ لأبي حنيفة إلى رد شهادته ... إلى آخر ما فيه فخذه.
(٢) صوابه: ولمحل النزاع شروط.
(٣) لعدم استقلالها، كما لو قال: هند وفاطمة طالقتان إلا أن يقدم بكر يوم كذا، فلا خلاف في عوده إلى الكل. وحكى في شرح الجمع قولاً للرافعي أنه كالوارد بعد الجمل، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: ٣]، فالاستثناء راجع إلى المنخنقة وما عطف عليها حيث ذبحت وفيها روح.
(٤) في المخطوطات: أن يكون معطوفاً بعضها على بعض.