هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 718 - الجزء 2

  الاستثناء يدل على أن للمستثنى حكماً مخالفاً للصدر، فلا يكون زيداً في: «أكرم الناس إلا زيداً» في حكم المسكوت عنه، بل محكوماً عليه بعدم⁣(⁣١) الإكرام، وهم لا يقولون به.

  وأيضاً نقطع أن قول القائل: «ما قام إلا زيد» يدل على ثبوت القيام لزيد، وإنكاره يكاد يلحق بإنكار الضروريات⁣(⁣٢).

  وأيضاً أجمع أهل العربية أنه من النفي إثبات، وذلك مما لا يحتمل التأويل.

  (قيل) في الاحتجاج لمذهب الحنفية: قال رسول الله ÷: («لا صلاة⁣(⁣٣)


(قوله): «بل محكوماً عليه بعدم الإكرام» الأولى أن يقال: محكوما عليه بعدم إيجاب الإكرام؛ لأن هذا هو الكلام النفسي، وهو مقتضى عبارة السعد.

(قوله): «وأيضاً أجمع أهل العربية أنه من النفي إثبات» وكذا أجمعوا على أنه من الإثبات نفي أيضاً، ولم يذكره المؤلف، وسيصرح بذكره في آخر البحث، وصرح به السعد أيضاً، ووجه عدم ذكره هنا أنه مما يحتمل التأويل كما ذكره السعد في الحواشي حيث قال: وتأولوا كلام أهل العربية أنه من الإثبات نفي بأنه مجاز؛ تعبيراً عن عدم الحكم بالحكم بالعدم لكونه لازماً، بخلاف كونه من النفي إثباتاً فلا يحتمل التأويل، وسيأتي تصريح المؤلف # بما ذكرنا في آخر البحث إن شاء الله تعالى.


(١) أقول: يمكن الجواب عن البحث الذي ذكره بوجهين: أحدهما: أن اللازم منه أن يكون زيد في هذا المثال محكوماً عليه بعدم إيجاب إكرامه هذا الإكرام لا أنه مما لا إيجاب للإكرام له أصلاً، والمراد بكونه مسكوتاً عنه أن لا يكون محكوماً عليه بالإكرام ولا بعدمه مطلقاً، على أن السكوت وعدم التعرض إنما ذكره في النسبة الخارجية دون النفسية، وهاهنا لم تتحقق النسبة الخارجية. وثانيهما: أن هذا الحكم وهو كونه مما لا يتعلق به الحكم الإيجابي لازم لا أنه مدلول اللفظ وكان مقصوداً للمتكلم بالدلالة اللفظية، فعدم إيجاب إكرام زيد لازم من الكلام، وأما مدلول الكلام فهو إيجاب إكرام من عدا زيد. (ميرزاجان).

(٢) واعترض عليه بعض المحققين في شرح المنهاج بقوله: لا نسلم أن إنكار دلالة ما ذكر من حيث الوضع اللغوي إنكار الضروري، وإنما يصح لو لم يثبتوا دلالة ما بحسب العرف، وقد أثبتوها على ما اعترف به آنفاً، والإجماع على ما ذكر إن أريد به ثبوت هذا الكلام منهم فلا خفاء في قبوله التأويل بما ذكرنا، وإن أريد اتفاقهم على ثبوت مفهومه الحقيقي بلا تأويل فممنوع. (ميرزاجان).

(٣) لا خفاء أن مثل: «لا صلاة إلا بطهور» و «لا نكاح إلا بولي»، و «لا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال، ولا مال إلا بالعمارة ولا عمارة إلا بالعدل ولا عدل إلا بالسياسة» إنما يدل على أن المستثنى منه مشروط بالمذكور لا يتحقق بدونه، وأما أنه يتحقق معه فلا، ولو كان الاستثناء من النفي إثباتاً للزم الثبوت معه البتة، ولما كان الإشكال قوياً بالغ الشارح المحقق في تحقيق الجواب وتوضيحه. (سعد). وحاصله ما أشار إليه المؤلف بقوله: وأيضاً لا يخلو ... إلخ.