هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 722 - الجزء 2

  واعلم أن المشهور⁣(⁣١) من كلام غير الحنفية أن الاستثناء من الإثبات نفي متفق عليه، وإنما الخلاف في العكس، والمذكور⁣(⁣٢) في كتب الحنفية أنه ليس من الإثبات نفياً ولا من النفي إثباتاً، وإنما هو تكلم بالباقي بعد الاستثناء، ومعناه أنه أخرج


(قوله): «واعلم أن المشهور من كلام غير الحنفية ... إلخ» يعني أن ما نسبه المؤلف # إلى الحنفية في صدر المسألة مبني على ما في كتب الحنفية، فلا يرد أن المشهور من كلام غير الحنفية - كالشافعية - أن الاستثناء من الإثبات نفي متفق عليه.

(قوله): «وإنما هو تكلم بالباقي ... إلخ» اعترض هذا في الجواهر بأن مذهب الحنفية هو ما اختاره ابن الحاجب من أن الاستثناء⁣[⁣١] بعد الإخراج، ولا حكم في الاستثناء أصلا لا بالنفي ولا بالإثبات، فما أورده ابن الحاجب على الحنفية فهو وارد عليه⁣[⁣٢].


(١) وفي الفواصل ما لفظه: واعلم أن كثيراً من أهل الأصول كالرازي وغيره إنما يحكي خلاف الحنفية في أن الاستثناء من النفي إثبات، وأما أنه من النفي إثبات فيجعله محل اتفاق، وهذا لا يوافقه ما نقل عنهم من تأويل إجماع أهل العربية أنه من الإثبات نفي وبالعكس بما قد عرفته، فإنه لو كان محل اتفاق فيما ذكر لما احتاجوا إلى ذلك التأويل، فإنه لا يتم إلا فيما هو محل الوفاق، وأما انطباقه على أنه من النفي إثبات فغير صحيح كما لا يخفى، وأيضاً فالاستدلال بالحديث - أي حديث: «لا صلاة إلا بوضوء» - يدل على بطلان دعوى الاتفاق، فإنه صريح في مخالفتهم لتلك الدعوى⁣[⁣٣].

تنبيه: الخلاف المذكور هل يجري في الاستثناء المفرغ؟ قيل: الظاهر أنه لا يجري فيه، وأن الاستثناء فيه إثبات قطعاً؛ لأن قولك: «ما قام إلا زيد» ليس هناك شيء يثبت له القيام ويكون فاعلاً إلا زيد، فيكون متعيناً للإثبات، بخلاف قولك: «ما قام أحد إلا زيد»، وقد حكى القرافي الخلاف عن الحنفية في العقد المنظوم كما نقله البرماوي، وأنهم أجروا الخلاف في المفرغ أيضاً. قال: ويلزمهم أن يعربوا «زيداً» في: «ما قام إلا زيد» بدلاً لا فاعلاً⁣[⁣٤]، ويكون الفاعل مضمراً، أي: ما قام أحد إلا زيد، ولكن حذف الفاعل ممتنع عند النحاة. قال البرماوي: لكنه لا بد في الاستثناء المفرغ من معنى محذوف مستثنى منه وإن لم يقدر لفظه على الراجح، فالقول بجريان الخلاف فيه غير بعيد. قلت: فظاهر كلام ابن الحاجب في دفع استدلال الحنفية بحديث: «لا صلاة إلا بطهور» حيث قال: والقول بأنه منطقع بعيد أنه مفرغ، وكل مفرغ متصل؛ لأنه من تمامه. (لفظ الفواصل).

(٢) أقول: وأما التوفيق بين ما في كتب الشافعية وبين المذكور في كتب الحنفية فبأن المراد بما في كتب الشافعية أن الاستثناء من الإثبات نفي اتفاقاً أعم من أن يكون ذلك بمقتضى دلالة اللفظ بحسب وضع اللغة أو بملاحظة المقدمة الخارجية كالبراءة الأصلية على ما فصله الشارح المحقق، وقد أشرنا إليه فيما سلف. (ميرزاجان).


[١] ظنن في نسخ بالإسناد.

[٢] وقد تقدم التنبيه عليه هنالك نقلا عن الحواشي.

[٣] لعل هذا غير مستقيم، فالاستدلال بالحديث فيما هو محل الخلاف وأنه من النفي إثبات، فليس فيه صراحة في مخالفتهم لتلك الدعوى. (من خط مؤلف الروض النضير قال: من خط السيد شرف الدين دامت فوائده).

[٤] في المطبوع: بدلاً فاعلاً. والمثبت من شرح ألفية البرماوي.