[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
  من أنواع المخصص غير المستقل.
  وصيغة الغاية: «إلى وحتى(١)»، وقد عرفت أنها مما تخرج المذكور، فلا بد أن يكون ما بعد صيغتها مخالفاً لما قبلها، وإلا كانت الغاية وسطاً وخرجت عن كونها غاية(٢)، وذلك كما في الآية الكريمة، وفي قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ٢٩}[التوبة]، فإن الليل غير
= ومختلفين والمغيا متحد والغاية أحد أمرين على البدل كقولك للمظاهر: لا تمس زوجتك حتى تعتق أو تطعم، وعكسه نحو: أكرم زيداً أو عمراً إلى أن يقدم بكر، والمغيا مجموع أمرين والغاية أحدهما على البدل، نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن إلى أن يدخل الصيف أو تبلغ من كذا. وعكسه نحو: أكرم زيداً أو عمراً إلى أن يقدم بكر ويدخل وقت كذا. وإذا وقعت الغاية بعد جمل متعددة متعاطفة بالواو نحو: «أكرم بني تميم واستأجرهم إلى أن يدخلوا الدار» فهي كالاستثناء في ظهور عودها إلى الجميع إلا أن يعرف المراد من إضراب أو عدمه، وفيه خلاف أبي حنيفة كما تقدم في الاستثناء.
(*) في شرح السبكي للمختصر: فائدتان: الأولى: الغايات ثلاث: إحداها: غاية تقدمها عموم يشملها لو لم يؤت بها، وهي التي تخصص. والثانية: غاية لو سكت عنها لم يدل اللفظ عليها نحو قوله تعالى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ٥}[القدر]، و «رفع القلم ... إلخ» وهذه خارجة قطعاً، والثالثة: ما يكون اللفظ الأول شاملاً لها وتجري هي مجرى التأكيد، مثل قولنا: قطعت أصابعه كلها من الخنصر إلى الإبهام[١] فإنه لو اقتصر على قوله: «قطعت أصابعه كلها» لأفاد الاستغراق، وهي داخلة قطعاً، والمقصود فيها إنما هو تحقيق العموم لا تخصيصه، وكذا: بعتك الأشجار من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة، وإنما اختلف الأصحاب فيما إذا قال: بعتك من هذه النخلة إلى هذه النخلة هل يدخل الابتداء والانتهاء أو لا يدخل واحد منهما لأنه لم يتقدم لفظ صريح في الدخول؟ ونظيره: علي من درهم إلى عشرة، أو ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة، قيل: يلزمه عشرة، وهو الصحيح عند البغوي ووالدنا |، وقيل: تسعة، وصححه العراقيون والغزالي والنووي، وقيل: ثمانية. الثانية: من شرط المغيا أن يثبت قبل الغاية ويتكرر حتى يصل إليها، كقولك: سرت من البصرة إلى الكوفة، فإن السير الذي هو المغيا ثابت قبل الكوفة ومتكرر في طريقها، وعلى هذا يمتنع أن يكون قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة: ٦]، غاية لغسل اليد؛ لأن غسل اليد إنما يحصل بعد الوصول إلى الإبط، فليس ثابتاً قبل المرفق الذي هو الغاية، فلا تنتظم غاية له. نعم، لو قيل: اغسلوا إلى المرافق ولم يقل: أيديكم انتظم؛ لأن مطلق الغسل ثابت ومتكرر. قال بعض الحنفية: فيتعين أن يكون المغيا غير الغسل، أو يكون التقدير: اتركوا من آباطكم إلى المرافق، فيكون مطلق الترك ثابتاً قبل المرفق ومتكرراً إليه، ويكون الغسل نفسه لم يغيَّ، وهنا يتعارض المجاز والإضمار، إلى آخر كلامه فخذه.
(١) يقال: وأو إذا كانت بمعنى «إلى أن» نحو: «لألزمنك أو تعطيني حقي» أي: إلى أن، ولكنها داخلة في «إلى» بالتأويل، وإن قدرت بـ «إلا» فهي داخلة في الاستثناء.
(٢) يراجع هذا في بحث الحروف من التلويح، ففيه له كلام طويل مفيد.
[١] في المطبوع: إلى البنصر. والمثبت من شرح السبكي للمختصر.