[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  بالتواتر أو بغيره كما قال ابن السمعاني: إن محل الخلاف في خبر الآحاد إذا لم يجمعوا على العمل به، أما إذا أجمعوا عليه فيجوز التخصيص به بلا خلاف(١).
  (و) اختلف (في) السنة (الظنية) على أقوال: فمنها: (المنع) مطلقاً، وهذا القول حكاه أبو الخطاب عن بعض الحنابلة، ونقله الغزالي في المنخول عن المعتزلة، ونقله ابن برهان عن طائفة من المتكلمين والفقهاء، ونقل عن طائفة من أهل العراق، قالوا: ولأجل(٢) ذلك منعوا الحكم بالقرعة(٣) وبالشاهد واليمين.
  (و) منها: (الجواز مطلقاً) وهو اختيار أئمتنا(٤) $ كما صرح به الإمامان أبو
(قوله): «أما إذا أجمعوا عليه فيجوز التخصيص به بلا خلاف» هكذا رواه في شرح الجمع عن السمعاني، واعترض عليه بأن الدال على التخصيص حينئذ إنما هو الإجماع.
(قوله): «منعوا الحكم بالقرعة» لأن ثبوته بالسنة الظنية، وكذا ثبوت الحكم بالشاهد واليمين، فمنعوا التخصيص بهما لذلك. ولعل العموم الذي منعوا تخصيصه بهما هو الثابت لمفهوم قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ..} الآية [البقرة: ٢٨٢]، وقوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ ..} الآية [البقرة: ٢٨٢]، فإنهما يفيدان عدم جواز الحكم بغيرهما فلا يخصص عموم غيرهما بهما، هذا ما يتكلف لتوجيه ما ذكر، والتحقيق أنه سيأتي في النسخ أن زيادة الحكم بشاهد ويمين عندهم من باب النسخ؛ لأنه ثبت عدم جواز الحكم بشاهد ويمين من مفهوم النص حيث حصر البينة في النوعين؛ لأنه أوجب أنه إذا لم يكن رجلان لزم رجل وامرأتين، فدل على أنه لا يجوز الحكم بشاهد ويمين، وإلا لما كان اللازم عند عدم الرجلين رجلا وامرأتين، هكذا في شرح المختصر وحواشيه. وقد أجيب عن ها بأن المنحصر في الاثنين طلب الإشهاد، فليس المفهوم سوى أن غير[١] طلب الاستشهاد لم يتعلق إلا بهذين النوعين، وأما أنه لا يصح الحكم بغير النوعين فلا دلالة للنص عليه لا بالمنطوق ولا بالمفهوم. ويأتي في جواز الحكم بالقرعة مثل ما ذكرنا في الحكم بالشاهد واليمين.
(١) وقد يقال: الدال على التخصيص حينئذ إنما هو الإجماع. (من شرح أبي زرعة للجمع).
(٢) في شرح النجري للآيات عند قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ ..} إلخ [البقرة: ٢٨٢]: واستدل أبو حنيفة وزيد بن علي على عدم قبول الشاهد واليمين بهذه الآية ... إلخ ما فيه.
(٣) القرعة عند الشافعي في المتجاذب بين اثنين ولا رجحان ليد أحدهما. (حبشي).
(٤) ينظر لِمَ لَمْ يقيد اختيار أئمتنا $ بما إذا كان العام عملياً كما في الفصول وكما لمح إليه # في رد الوجه الثاني للمانعين مطلقاً حيث قال: لأن العام ظني الدلالة في العمليات، والظاهر أنه لا بد من التقييد؛ فإنهم لا يجوزون تخصيص عمومات آيات الوعيد الدالة على دخول الفساق فيه - كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}[النساء: ١٤] - بأخبار الوعد الآحادية الدالة على تخصيص تلك العمومات بعدم تخليد العصاة من أهل الملة من نحو ما روي: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» فينظر، والله أعلم. ويمكن أن يقال: المراد فيما نحن بصدده =
[١] الظاهر سقوط غير. (عن خط السيد محمد بن زيد).