[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  ومن ذلك قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ}[البقرة: ١٧٨]، فإنه يقتضي قتل الوالد بولده والمسلم بالكافر، فخص ذلك بقوله ÷: «لا يقتل الوالد بولده» أخرجه ابن ماجه عن عمر بن الخطاب وعن ابن عباس. وبقوله ÷: «لا يقتل مسلم بكافر» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر.
  واعترض بأنهم إن كانوا أجمعوا فالمخصص هو الإجماع لا خبر الواحد، وإن لم يجمعوا فلا دليل؛ إذ الدليل إنما كان هو الإجماع، والفرض عدمه.
  وأجيب بأن إجماعهم لم يكن على تخصيص تلك العمومات مطلقاً ليكون المخصص هو الإجماع، بل كان على تخصيص الآيات بالأخبار، والإجماع دليل عليه.
  (قيل) في الاحتجاج للمانعين مطلقاً: (رد عمر خبر فاطمة بنت قيس) روى مسلم عن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله ÷ لم يجعل لها سكنى ولا نفقة(١)، فأخذ الأسود بن يزيد كفاً من حصى فحصبه بها وقال: ويلك أتحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا(٢) لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت، وزاد الترمذي في روايته: وكان عمر يجعل لها السكنى والنفقة، ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكاره، فلو كان تخصيص الكتاب بخبر الواحد جائزاً لما رد عمر حديثها المخصص لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ
(قوله): «قال عمر» أي: فإنه قال عمر: لا نترك كتاب ربنا، وهو قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}[الطلاق: ٦].
(قوله): «وسنة نبينا» هو ما قال: سمعت رسول الله ÷ قال: «للمطلقة ثلاثاً النفقة والسكنى ما دامت في العدة».
(١) عن فاطمة بنت قيس ^ أن زوجها طلقها وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله ÷ فذكرت ذلك له فقال: «ليس لك عليه نفقة» وأمر أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم». أخرجه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (من شرح ابن جحاف).
(٢) قال عيسى بن أبان: أراد بالكتاب والسنة القياس؛ لأن ثبوته بهما حيث قال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ٢}[الحشر]، وحديث معاذ ¥ في القياس مشهور. وقال بعضهم: أراد بالكتاب قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وأراد بالسنة ما قال عمر: سمعت النبي ÷ أنه قال: «للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة». (تلويح).