[الباب الثالث: العموم والخصوص]
  المقيد بالعقل المعين تقييده بالعادة فإنما (ورد النفي) فيه (على مطلق) مقيدٍ بالعقل(١) (معين المراد) بالعادة، لا على مطلقٍ مطلق، والنفي إذا ورد على مقيد توجه في الغالب إلى القيد.
  ولعلك إذا تدبرت ما سبق من تحرير محل النزاع عرفت أن هذا الاحتجاج من أصله غير واقع في موضع الخلاف؛ لأن غلبة العادة هنا قد استتبعت غلبة العبارة(٢)، ولا نسلم أن استتباعها في موضع يستلزم استتباعها في كل موضع كما ذكرناه فيمن حلف من الخبز أو الذرة، فكان غنياً عن هذا التطويل، ولكنه اتبع(٣) فيه أثر مختصر المنتهى وشروحه.
(قوله): «المقيد بالعقل» صفة للمطلق، وإنما كان مقيداً بالعقل لما عرفت من أن المطلق ممتنع الوجود في الخارج، وأنه متعلق بجزئي من اللحم، والعادة عينت ذلك اللحم الجزئي بأنه لحم الضأن مثلا، فالنفي داخل على هذا المقيد المعين بالعادة، فتوجه النفي إلى القيد.
(قوله): «معين المراد بالعادة» مثلا إذا قلت: اشتر لحماً فهذا مقيد بالعقل.
(قوله): «لا على مطلق مطلق» أي: مطلق عن التقييد بكون المأمور بشرائه جزئياً.
(١) لما تقرر أن المطلوب بالمطلق هو الجزئي المطابق للماهية فقد صار مقيداً في العقل، وإنما العادة معينة للمراد فقط. اهـ هكذا في شرح الغاية، وفيه تأمل. (من الفواصل).
(٢) فلا يكون داخلاً في محل النزاع، ولا يخفى أن هذا يلحق الخلاف بالوفاق، وغايته أن يجعل محل النزاع في غير ما لم تستتبع العادة غلبة الاسم في مثل من حلف من الخبز في بلد لا يتناول منه فيه إلا خبز الآرز فإنه يحنث بخبز غيره، وكذا فيمن حلف من الذرة في بلد لا يعتاد فيها إلا تناول الصفراء فإنه يحنث بالبيضاء، وهذا يحتاج إلى إيضاح الفرق بين تناوله لغير ما يعتاد في الأمثلة المذكورة وعن عدم تناوله في غير المعتاد في مثل: اشتر لحماً، فإن المخالف يقول: لا فرق بين ما ذكر، بل لا يحنث بأكل خبز غير الأرز مثلاً إذا كان قد غلب على شيء مخصوص في العادة، اللهم إلا أن يكون ذلك بالنظر إلى عرف الحالف إذا لم يكن من أهل تلك البلد التي غلب عليها العادة فمسلم، ولا ينبغي أن يكون فيه نزاع، وليس إلا في العادة لأهلها، كما إذا أطلق الشارع ما غلب في عادة العرب وكان في الأصل عاماً، وهذا يصح أن يدعى فيه استتباع العبارة للعادة، فأي صورة قدرنا أمكن جريان هذه الدعوى فيها، والفرق تحكم. (من الفواصل).
(٣) أي: الماتن، وضبط في خط سيلان بالبناء للمفعول.