هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

مقدمة مكتبة أهل البيت (ع)

صفحة 17 - الجزء 1

  لم تظهر الحاجة في هذا العصر إلا إلى معرفة كتاب الله وسنة رسول الله ÷.

  ثم لما توفي ÷ وظهر الاختلاف بعده ÷ بين الصحابة في بعض مسائل الشريعة الإسلامية - بدأت الحاجة إلى تمييز الصحيح من السقيم، والحق من الباطل، وظهرت العلوم التي تخدم القرآن الكريم والسنة النبوية تدريجياً بحسب الحاجة إلى كل علم، وكان من بين هذه العلوم التي بدأت تظهر وتميَّز باسم خاص علم (أصول الفقه).

  وإذا أردنا البحث عن بدايات هذا العلم فسنجد موضوعاته موجودة في كلام العرب وفي القرآن الكريم والسنة النبوية، ولكنها كغيرها كانت مدمجة وليست موضوعات مميزة تستقل باسم خاص بها.

  وإذا فتشنا في كلام أمير المؤمنين # سنجد له كلاماً يشير إلى أغلب موضوعات هذا الفن والذي أصبح أخيراً يعرف باسم أصول الفقه؛ ومن ذلك ما قاله ضمن جوابه على من سأله عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، حيث قال #: (إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ÷ عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَال لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ: رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلإيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بالإسلام، لاَ يَتَأَثَّمُ وَلاَ يَتَحَرَّجُ، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ÷ مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ ÷ رآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ #، فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ الاَعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الاَرْبَعَةِ.