[أشياء عدت في المجمل وليست منه]
  العرب ومارس ألفاظهم واطلع على أعرافهم علم أن مرادهم في مثل ذلك إذا أطلقوه إنما هو التحليل والتحريم للفعل المقصود من تلك الأعيان، كالأكل في المأكول والشرب في المشروب واللبس في الملبوس والوطء في الموطوء، وأن مرادهم في مثل: «رفع عن أمتي الخطأ» رفع المؤاخذة والعقاب، فإن السيد إذا قال لعبده: رفعت عنك الخطأ كان المفهوم أني لا أؤاخذك به ولا أعاقبك(١) عليه، ولا يتبادر إلى أفهامهم غير ذلك، والأصل في كل ما يتبادر إلى الفهم أن يكون حقيقة ثابتة إما بالوضع الأصلي أو بعرف الاستعمال، ولا إجمال على شيء من التقديرين.
  قالوا: تحليل الأعيان وتحريمها محال، أما أولاً: فلأنها أجسام، والأجسام غير مقدورة لنا. وأما ثانياً: فلأنها موجودة، وإيجاد الموجود محال، فثبت أن الأمر والنهي والتحليل والتحريم تتناول أفعالنا فيها، وهي كثيرة، فلا بد من إضمار واحد منها يكون متعلقاً للتحليل والتحريم، وإضمار الجميع غير جائز؛ لأن الإضمار خلاف الأصل لا يصار إليه إلا للضرورة، فوجب أن يقدر بقدر ما تندفع به الضرورة تقليلاً للإضمار المخالف، فتعين إضمار البعض، ولا دليل على خصوصية شيء منها، فدلالته على البعض المراد غير واضحة، وهو معنى الإجمال.
  وهكذا الكلام في «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان»، فإن اللفظ من حيث اللغة يقتضي رفع نفس الخطأ والنسيان، وهو محال؛ لوقوعهما من الأمة ضرورة، فلا بد من إضمار شيء يكون متعلقاً للرفع حذراً من التعطيل، ولا سبيل إلى إضمار جميع أحكامهما؛ لكثرة المخالفة مع اندفاع الضرورة ببعضها، فتعين إضمار البعض إلى آخره.
  والجواب: لا نسلم أن ذلك البعض غير متضح، بل هو متضح؛ لما سبق من
(١) قد يقال: إنما فهم ذلك لأن العبد لا يتعلق بجنايته على سيده من الأحكام إلا العقاب دون الضمان ونحوه، فلا يقاس عليه.