الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)
  مثاله في الإثبات: ما رواه مسلم عن عائشة قالت: دخل علي النبي ÷ ذات يوم فقال: «هل عندكم من شيء؟» فقلنا: لا، فقال: «إني إذاً لصائم»، فإن حمل على الشرعي دل على جواز النية نهاراً، وإن حمل على اللغوي(١) لم يدل.
  ومثاله في النهي: نهيه عن صوم يوم النحر، فإن حمل على الشرعي جاز الإمساك من غير نية، وإن حمل على اللغوي لم يجز.
  (قالوا) جميعاً: ما كان له مسميان كذلك فهو عند الأول (صالح لهما) جميعاً ولم يتضح في أحدهما، فكان مجملاً (و) عند الثاني: أنه (استوى الشرعي وغيره نهياً) بناء على أن النهي لا يدل على الفساد، بل هو محتمل للصحة؛ بدليل صحة التصريح بها،
(قوله): «جاز الإمساك من غير نية» لأنه ليس بصيام شرعي.
(قوله): «قالوا جميعاً» أي: قال أهل الأقوال الثلاثة، فالقائل المجموع، والمقول مجموع التمسكات الثلاثة، آخرها قوله: فبقي مجملا أو لغويا، فصح إسناد القول بالمجموع إلى مجموعهم، وأما باعتبار التفصيل فلكل واحد مقول مخالف لمقول الآخر، فلا يصح إسناد متسمك كل واحد إلى مجموعهم ولا إسناد مجموع التمسكات إلى كل واحد من القائلين.
(قوله): «فهو عند الأول» وهو القائل بالإجمال مطلقا، ظاهر العبارة أن قوله: فهو عند الأول من مقول القول، ولا انتظام له؛ إذ يكون المعنى قالوا فهو عند الأول صالح لهما، وقس على هذا قوله: عند الثاني وعند الثالث، فلو قال: قالوا جميعاً[١]: ما كان له مسميان كذلك فإنه يصلح لهما، وهذا عند الأول وأنه يستوي المسمى الشرعي وغيره نهياً، وهذا عند الثاني وأنه يتعذر حمله في النهي على الشرعي، وهذا عند الثالث بناء منه على النهي ... إلخ - لكان أولى؛ لينتظم الجميع في دخوله تحت القول ويسلم من عطف الفعل على الاسم والله أعلم.
(قوله): «بدليل صحة التصريح بها» الظاهر أن الضمير عائد إلى الصحة، وفيه أن الصحة لا تطلق على المنهي عنه؛ إذ لا يقال: صلاة الحائض صحيحة ونحو ذلك، بل قد يطلق على ما نهي عنه لأمر خارج على قول، والمراد التعميم، إذا عرفت هذا فالمذكور من الاستدلال للقائل بأن النهي لا يدل على الفساد أو يدل على الصحة هو أنه قد أطلق الصلاة ونحوها على المنهي عنه، كدعي الصلاة ونحوه، والمراد الصلاة الشرعية، والشرعية هي الصحيحة، وقد اعتمد المؤلف # هذا في الجواب[٢] الآتي حيث قال: بل ما يسميه الشارع بالشرع من غير نظر إلى صحة أو فساد، فلو قال المؤلف هنا: بدليل صحة إطلاق الصلاة على المنهي عنه كدعي الصلاة فيكون شرعياً وهو الصحيح لكان أولى؛ لما ذكرناه، وليطابق الجواب الآتي، والله أعلم.
(١) وهو الإمساك مع بعده للقرينة على إرادة الشرعي؛ لتقدم السؤال عن الطعام.
[١] عبارة المؤلف مستقيمة على طريقة قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}[البقرة: ١١١]، فتأمل. (ح من خط شيخه). والظرف - أعني عند الأول ونحوه - فاصل بين المبتدأ وخبره، وهو جائز. (حسن بن يحيى).
[٢] حيث أجاب على قولهم: إن الصلاة هي الصحيحة. (ح عن خط شيخه).