هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(فصل:) في البيان والمبين

صفحة 44 - الجزء 3

  (قلنا:) ما ذكرتموه من امتناع التأكيد بالمرجوح (ممنوع في) المؤكد (المستقل) كالجمل التي يذكر بعضها إثر بعض للتأكيد، فإن الثانية وإن كانت أضعف من الأولى لو استقلت فإنها بانضمامها إليها تفيدها تأكيداً، وتقرر مضمونها في النفس زيادة تقرير، وإنما يمتنع ذلك في المفردات⁣(⁣١) نحو: جاءني القوم كلهم.

  (و) هما «وهما (مختلفان») مختلف فيهما (قيل: المتقدم) من القول والفعل هو البيان؛ لأن المجمل إذا تعقبه ما يجوز أن يكون بياناً وجب القضاء بكونه هو البيان، وهذا مذهب أبي الحسين البصري، واختاره صاحب الفصول والدواري وغيرهما من أصحابنا، قالوا: ويكون المتأخر منهما ناسخاً لحكم البيان المتقدم ومبيناً للمجمل.

  وأورد عليه أن نسخ المبيِّن نسخ للمبيَّن لكونهما كالشيء الواحد؛ لاتحاد فائدتهما، فلو ثبت ذلك للزم أن يكون الثاني ناسخاً للمجمل مبيناً للمراد منه، وهو تهافت. وأن يكون المجمل مبيناً لمكان النسخ؛ إذ لا يرد إلا على مبين، ومجملاً لمكان البيان، وهو تناقض.

  وأجيب: بمنع كون نسخ المبيّن نسخ المبيَّن؛ لجواز أن يكون للمجمل أحوال


(قوله): «وهما» أي: الفعل والقول، وهو مبتدأ، خبره قوله: مختلف فيهما، وقوله: «وهما مختلفان» حال، ولعله يكون حالا من ضمير مختلف فيهما؛ لعدم صحة الحال من المبتدأ على قول. والمراد مختلف فيما هو المراد منهما، ولو قال المؤلف: على أنهما مختلفان قيل: المتقدم ... إلخ لحصلت المقابلة لقوله سابقاً: وعلى أنهما متفقان، ولكان أخصر.

(قوله): «وأن يكون المجمل مبيناً» على صيغة المفعول، وقوله: «لمكان النسخ» علة له، وقوله: «إذ لا يرد» أي: النسخ علة لهذه العلة.

(قوله): «ومجملا» عطف على مبنياً، وقوله: «لمكان البيان» أي: بالثاني، علة لكونه مجملا.

(قوله): «وأجيب بمنع كون نسخ المبين ... إلخ» قد اشتمل الإيراد على أمرين: الأول: لزوم كون الثاني ناسخاً للمجمل مبيناً للمراد منه، الثاني: كون المجمل مبيَّناً لمكان النسخ ومجملاً =


(١) عبارة السبكي في شرحه على المختصر: وإنما⁣[⁣١] يلزم كون المؤكد أقوى في المفردات نحو: جاءني القوم كلهم.


[١] في المطبوع: ولئلا يلزم. والمثبت من شرح السبكي على المختصر.