هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)

صفحة 45 - الجزء 3

  وأوصاف يبين ببعض منها تارة وببعض آخر أخرى.

  بيان ذلك: أن المصلحة قد تكون في أداء الفعل وقتاً على وصف وفي أدائه وقتاً آخر على وصف آخر، فيكون الثاني ناسخاً للوصف الأول، وكل واحد منهما مبيناً للمجمل باعتبار.

  ورد بأنا نقطع بعد ورود البيان أن ليس المراد بالمجمل إلا ذلك، وأن سائر الصفات ملغاة، فرفع البيان رفع للمبين، ولو سلم فالنسخ خلاف الأصل لا يصار إليه إلا لضرورة، ولا ضرورة مع إمكان الجمع بأن يجعل المبين هو القول كما يجيء.


= لمكان البيان، وقد اكتفى المؤلف # بجواب واحد عنهما، وأما الشيخ فقد أجاب عن الأول بأنا لا نسلم أن نسخ البيان نسخ للمبين وإن كانت فائدتهما واحدة؛ لأن البيان بيان لصفة الفعل وحكمه وكيفيته، والمبين هو المختص بذلك، وقد يؤخذ الشيء عارياً عن بيانه، ويخاطب به مع الجهل ببيانه، فدل على أن أحدهما قد يثبت وهو المجمل من غير بيان، وقد يزول البيان مع بقاء المجمل على إجماله، فلم يصح ما ذكروه. وعن الثاني بأنه يمكن أن يكون شيء يفتقر إلى البيان من جهتين، وأن يكون المجمل مجملا بالنظر إلى وصفين للفعل، فتكون المصلحة في أداء الفعل في وقت على أحد الوصفين وفي أدائه على الوصف الآخر [في وقت آخر]⁣[⁣١]، ويرد الأمر بذلك وليس فيه بيان أحد الوصفين فيفتقر إلى بيانين في الوقتين، فإذا فعل النبي ÷ ذلك الفعل على صفة في وقت كان فعله بياناً للمجمل، [ثم إذا ورد منه بعد ذلك قول بأنا نفعل الفعل على صفة أخرى غير تلك الصفة التي بينها بالفعل كان قوله هذا بياناً للمجمل]⁣[⁣٢] بالنظر إلى الوصف الثاني الذي يؤدى عليه الفعل في الوقت المتأخر ونسخاً للوصف الأول الذي قد تغيرت المصلحة في أداء الفعل عليه، وكذلك الفعل إذا تأخر وتقدم القول، قال في شرح الجوهرة: مثال ذلك قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} في ابتداء الأمر بها وتعريفنا أن ليس المراد معنى الصلاة اللغوي لو قدرنا أن الله تعالى علم أن صلاحنا في تأديتها مدة من الزمان بالطهارة من غير ذكر، وأن مصلحتنا في تأديتها بعد تلك المدة بالذكر من غير طهارة، ثم بين لنا بفعله صفتها في المدة الأولى بتأدية أركانها مع الطهارة ثم بين # صفتها في المدة المتأخرة بقوله بتأدية أركانه مع الذكر ولا حاجة إلى الطهارة، فبيانه # المتأخر بيان لصفتها التي هي الذكر ونسخ لصفتها التي هي الطهارة. وهكذا لو كان البيان الأول بالقول والثاني بالفعل، إلا أن البيان بالفعل المتأخر لا بد من قول يضامه أو قرينة أنه لا يحتاج في صحة الصلاة إلى أمر غير الذي بينه بالفعل حتى يكون نسخاً لما بينه بالقول.

(قوله): «نسخ المبين» بكسر الياء «نسخ المبين» بفتح الياء، أي: نسخاً للمبين.

(قوله): «رفع للمبين» بفتح الياء.

(قوله): «بأن يجعل المبين» بكسر الياء.


[١] ما بين المعقوفين من هامش شرح الفصول للغياث قال: صح دراري.

[٢] ما بين المعقوفين من شرح الفصول للشيخ لطف الله الغياث.