الباب الرابع من المقصد الرابع: (في المجمل والمبين)
  الآخر من غير بيان للمراد لكان تلبيساً؛ لاعتقاد المخاطب شموله وهو غير شامل، وذلك قبيح لا يجوز(١).
  وأجيب: بمنع العبثية، فإن الإجمال كثيراً ما يقصد لغرض صحيح، ولذلك وجّه المفسرون تقديم الإجمال في قصة أم كحة وتأخير التفصيل بأن الفطام عن المألوف شديد، والتدريج(٢) في الأمور من دأب الحكيم.
  وبمنع التلبيس، فإن العلم بجواز تأخير التخصيص إلى وقت العمل يمنع من الإقدام على اعتقاد استغراق العام عند سماعه، بل الشك يمنع من ذلك، فكيف إذا ظن ورود المخصص من بعد لأمارة، وهي كثرة التخصيصات(٣)؟ ولهذا قال بعض العلماء: إن وجود عام باق على عمومه عزيز في الأحكام.
  (و) اختلف القائلون بجواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة في جواز تأخير بعض البيانات دون بعض، ويعبر عنه بتدريج البيان، فمنهم من ذهب إلى المنع من ذلك؛ ذهاباً إلى أن تخصيص بعض العام يوهم وجوب الاستعمال في جميع ما بقي بعد الإخراج.
  وأجيب أولاً: بأنه لا إيهام مع نصب ما يدل على جواز التأخير، غايته أنه يقع مع من لا يلتفت إلى الدليل، ولا قبح في ذلك كما لا قبح في الخطاب بما يوجب ظن التجسيم ونحوه عند من لا يستعمل الدليل العقلي، مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}[طه]، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: ١٠].
  وثانياً: بأن الاقتصار على الخطاب العام دون ذكر شيء من المخصصات مع كونه ظاهراً في التعميم بلفظه إذا لم يوهم المنع من التخصيص فإخراج
(١) ومن هذا يؤخذ مأخذ باقي الأقوال. (من شرح جحاف).
(٢) في (ب): والتدرج.
(٣) هذا مسلم بعد شيوع ذلك ووقوعه، ولكنا لا نسلم منع التلبيس عند وقوع أول فرد وعند الجاهل لذلك، فيحتاج إلى مخلص عن ذلك.