هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 63 - الجزء 3

  زمان فعل الصلاة وهو مدة الطهر لذكره.

  ومثل قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}⁣[الأحقاف: ١٥] مع قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}⁣[لقمان: ١٤]، فإنه يعلم منهما أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، ولا شك أنه ليس مقصوداً في الآيتين، بل المقصود في الأولى بيان حق الوالدة وما تقاسيه من التعب والمشقة في الحمل والفصال، وفي الثانية مدة أكثر الفصال⁣(⁣١)، لكن لزم منه ذلك كما ترى.

  ومثل قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}⁣[البقرة: ١٨٧]، فإنه يعلم منه جواز إصباح الصائم جنباً⁣(⁣٢) وعدم إفساده للصوم، ولا شك أنه لم يقصد⁣(⁣٣) ذلك في الآية.


(١) فإن كون الفصال بعد عامين يدل على أن الستة الأشهر من الثلاثين شهراً هي مدة الحمل دلالة إشارة. (جلال).

(٢) لأن الليلة اسم للمجموع، فيجوز الجماع في آخر جزء منها، ويلزم الإصباح جنباً. (قسطاس). وفي شرح المحلي أن ذلك من إباحة ما لا تتم الإباحة إلا به اهـ قال في حاشية عليه: توضيحه أنه قد أبيح للصائم المباشرة في جميع ليلته، فلا يصدق الجميع إلا بآخر جزء منها، فإباحة آخر جزء منها مستلزم لإباحة إصباحه جنباً.

(٣) هذا محل تأمل؛ لأن الحكيم لا بد أن يقصد جميع ما يدل عليه القول مما فيه حكمة، وكلامه تعالى حكمة، فكيف يقال: إن جواز الإصباح جنباً غير مقصود للمتكلم؟ اللهم إلا أن يقال: المقصود بالأصالة غيره في قوله أحل لكم ليلة الصيام الآية، وهذا يقصد بالتبعية، فينزل منزلة غير المقصود؛ لأنه تعالى عالم بجميع ما يقع عليه القول من وجوه الحكمة، فكيف لا يكون مقصوداً له سبحانه؟ وأجاب الزركشي عن هذا الإشكال بقوله: إن الله أنزل القرآن بلغة العرب، ويتصور أن العربي يأتي بلفظ عام على قصد التعميم مع ذهوله عن بعض المسميات، فكما كان هذا واقعاً في لغة العرب فكذلك الكتاب والسنة يكونان على هذا الطريق، وإليه أشار سيبويه في كتابه حيث وقع في القرآن الرجاء بلعل وعسى ونحو ذلك مما يستحيل في حقه تعالى أن ذلك نزل مراعاة للغتهم. (منقولة من خط القاضي عبدالرحمن الحيمي ¦). وقد سبق الإلمام قريباً ببعض ما هنا وزيادة، فتأمل فالمقام في بادي بدء مقام استغراب ولذا وسعنا فيه النقول، وبها يزول الإشكال أو يقل، وويل أهون من ويلين.