الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)
  والسبعين ونحوهما مما يستعمل في لغة العرب للمبالغة؛ ولهذا قالوا: إن قولهم: أسماء العدد نصوص مخصوص بما إذا لم تقم قرينة على إرادة المبالغة نحو: جئتك ألف مرة فلم أجدك، وبه يعلم ضعف الاحتجاج(١) بقوله ÷ لما نزل: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[التوبة: ٨٠]: «سأزيد على السبعين(٢)»؛ لأنه محمول على أنه عليه وآله الصلاة والسلام أراد إظهار الرحمة والرأفة بأمته(٣) والدعاء لهم إلى ترحم بعضهم لبعض، لا أنه فهم منه مخالفة الزائد للمذكور؛ كيف وقد قال: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، وأردفه بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[التوبة: ٨٠]؟ فليس المقصود بهذا العدد تحديد المنع، وإنما هو كقول القائل لمن يسأله حاجة: لو سألتنيها سبعين مرة لم أقضها، ولهذا بين العلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفار الرسول، وهي كفرهم وفسقهم، وهذا المعنى قائم مع الزيادة على السبعين، وقد جاء في الرواية ما يدل على أنه ÷ فهم هذا المعنى، فإنه عند البخاري في باب الخيار بلفظ: «لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له(٤) لزدت عليها».
(١) على أن لمثل هذا مما أريد به المبالغة مفهوماً.
(٢) لما قام رسول الله ÷ ليصلي على عبدالله بن أبي سلول قام عمر فأخذ بثوبه فقال: يا رسوله الله، تصلي عليه وقد نهاك ربك؟ فقال رسول الله ÷: «إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}[التوبة: ٨٠] وسأزيد». (من شرح التحرير).
(٣) هذا التأويل يدفع كونه عبثاً.
(٤) أي: للكافر الدال عليه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا}[التوبة: ٨٠].