هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 109 - الجزء 3

  مطلقاً أو هجاء الرسول خاصة: لو كان كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى؛ لأن قليله وكثيره سواء، فجعلا الامتلاء من الشعر في قوة الشعر الكثير، ففهما منه أن غير الكثير ليس كذلك، فألزما من تقدير الصفة المفهوم، فكيف لو صرح بها؟

  قال أبو علي اللؤلؤي: بلغني عن أبي عبيد أنه قال: وجهه أن يمتلئ قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله، فإذا كان القرآن وذكر الله الغالب فليس جوف هذا عندنا مملوءاً من الشعر، بل جاء في الصحيحين عن ابن مسعود وهو من أهل اللسان أنه قال: قال رسول الله ÷: «من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار» وقلت: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قالوا: وهذا مصير منه إلى القول بالمفهوم؛ لأن الجملة حالية، وقد عرفت أنها من باب الصفة.

  هذا، وقد قال الشافعي بمفهوم الصفة، والكل عالمون باللغة، فالظاهر فهمهم ذلك لغة، فثبت ظهور إفادته لغة، وهو المطلوب.

  واعترض: بأنا لا نسلم أن أبا عبيدة وأبا عبيد والشافعي فهموا ذلك لغة؛ لجواز أن يبنوه على اجتهادهم، وهو الاستدلال والنظر في المباحث اللغوية.

  وأجيب بأن هذا التجويز⁣(⁣١) قائم في أكثر اللغة؛ لأنها إنما تثبت⁣(⁣٢) بقول الأئمة، إنما يكون قادحاً لو كان المدعى القطع بمفهوم الصفة، لكن المدعى هو


(قوله): «وقلت» أي: قال ابن مسعود: من مات ... إلخ.

(قوله): «أن يبنوه على اجتهادهم وهو الاستدلال والنظر في المباحث اللغوية» فسر المؤلف # الاجتهاد بما ذكر لئلا يتوهم أن المراد بالاجتهاد في الأحكام الشرعية.


(١) وإذ قد عرفت أن المعنى اللغوي هو المنطوق حقيقة كان أو مجازاً وأن المفهوم ليس بمدلول حقيقي للفظ الموضوع ولا مجازي إلا لقرينة - علمت ضعف قوله: إنه أجيب بأن اللغة تثبت بقول الأئمة من أهل اللغة، ولا يقدح فيها التجويز لخلاف ما نقلوه، وإنما ضعف الجواب لأنهم لم ينقلوا عن واضع؛ لعدم تعين الواضع كما عرفت، وإنما فهموا أن عدم الحكم على المسكوت حكم بعدمه، ولا تلازم بين الأمرين، هذا تقرير المنع. (مختصر وشرحه للجلال).

(٢) في نسخة: ثبتت.