هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 112 - الجزء 3

  يثبت انتفاء الحكم ظاهراً⁣(⁣١)، وهو المطلوب.

  (قيل) في الاعتراض عليه ثانياً: هو (منقوض) نقضاً إجمالياً (بـ {إِنْ أَرَدْنَ}) في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}⁣[النور: ٣٣]، فلو ثبت مفهوم الشرط لثبت جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن، والإكراه عليه غير جائز في جميع الأحوال.

  (قلنا:) الإكراه مع عدم إرادة التحصن والتعفف مما لا يجتمعان، فهذا


(قوله): «نقضاً إجمالياً» إذ لم يتوجه النقض إلى مقدمة في الدليل معينة بل توجه إلى جملة الدليل.

(قوله): «والإكراه عليه» أي: على البغاء «غير جائز في جميع الأحوال» إجماعاً سواء أردن البغاء أو لم يردن.

(قوله): «قلنا: الإكراه مع عدم إرادة التحصن والتعفف مما لا يجتمعان» اعلم أن المؤلف # قد أشار في هذا الجواب إلى أمرين، جعل مبني الأول منهما على كون المفهوم من قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}⁣[النور: ٣٣]، هو الإكراه حال عدم إرادة التحصن؛ بأن يردن البغاء، فيكون عدم اعتبار هذا المفهوم لأنه ممتنع في نفسه لا لأن الشرط خرج مخرج الغالب؛ إذ الشرط - وهو {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} - لا يمكن غيره لامتناع هذا المفهوم، فالشرط دائم لا غالب. وجعل الثاني مبنياً على فرض كراهة البغاء والتحصن، والمفهوم هو الإكراه على البغاء مع كراهة الأمرين، وهو ممكن، وحينئذ يصح التعليل بأن الشرط خرج مخرج الغالب؛ لتصور هذا المفهوم وإن كان في غاية البعد كما ذكره المؤلف # ممكن⁣[⁣١]، ويكون كلام المؤلف في الأمر الأول من الجواب مبنياً على عدم جواز خلو الضدين - أعني البغاء والتحصن - جميعاً عن الإرادة، بل لا بد أن يكون أحدهما مراداً، وهو مذهب الأشاعرة كما ذكره في الجواهر، فإذا لم يردن التحصن فلا بد أن يردن البغاء، فيكون الإكراه مع إرادة البغاء ممتنعاً، وأما على مذهب المعتزلة فيجوز خلوهما عنها كما ذكره عنهم أيضاً في الجواهر؛ بأن لا يردن البغاء والتحصن، فيصح كون الشرط على مذهبهم خارجاً مخرج الأغلب؛ لأنه يجوز اجتماع الإكراه حينئذ مع عدم إرادتهما، =


= كما في الخبر حتى يجوز أن يكون اللازم أعم كما في: إن كانت الشمس طالعة فالضوء موجود، بل الملازمة بين نفسي هو الجزاء، وخارجي هو الشرط، فإن الأمر بالجلد في قولك: إن زنى فاجلدوه، غيره في قولك: إن افترى فاجلدوه، وحاصله: أن الأمر المعلق على شرط لازم مساو لشرطه، واللازم المساوي ملزوم كما علم بين أرباب المعقول، فينتفي المساوي عند انتفاء مساويه ضرورة، ولا ينافيه ورود أمر بالجلد ثان مربوط بشرط ثان؛ لاختلاف اللازمين والملزومين، ضرورة أن الأمر بالثاني غير الأمر بالأول كما أن شرطه غير شرطه. (شرح المختصر للجلال).

(١) وإن لم يثبت قطعاً.


[١] لفظ ممكن ثابت في الأم، ولم يثبت في نسخ المؤلف، وهو الصواب.