هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)

صفحة 113 - الجزء 3

  المفهوم قد خرج عن كونه⁣(⁣١) دليلاً؛ لامتناعه في ذاته، وعلى فرض كراهة التحصن والبغاء معاً يجاب - مع كونه في غاية البعد - بأن هذا الشرط (خرج مخرج الغالب)⁣(⁣٢) لأن الإكراه يكون في الغالب عند إرادة التحصن.

  واعترض ثالثاً: بأن المذكور بعد كلمة «إن» ونحوها شرط⁣(⁣٣) لإيقاع الحكم⁣(⁣٤) لا لثبوت الحكم، فلا يلزم من انتفائه سوى انتفاء الإيقاع، وهو لا


= قلت: وأما الأمر الثاني من الجواب فلم يجعله المؤلف # مبنياً على مذهب المعتزلة⁣[⁣١] من جواز خلو الضدين عن الإرادة، بل بناه على ما هو أخص من الخلو⁣[⁣٢]، أعني كراهة التحصن والبغاء، مع أنه في غاية البعد كما ذكره المؤلف #، فينظر ما وجه عدوله في الأمر الثاني عن مذهبهم؟


(١) ولو سلم فالمفهوم معارض بالإجماع، وقد عرفت أن مخالفة الظاهر لدليل لا يمتنع، على أنك إذا أدركت ما حققناه لك علمت أن مفهوم الشرط هو انتفاء النهي عن الإكراه المقيد بإرادة التحصن، وهو لا يستلزم انتفاء النهي عن الإكراه مطلقاَ؛ لأن انتفاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم، هذا هو الكلام في مفهوم الشرط. (من شرح مختصر المنتهى للجلال).

(٢) أو مخرج المبالغة؛ لأن المولى أحق بإرادته، أو تخلف لمعارض أقوى، وهو الإجماع، أو لعدم شرط التكليف حينئذ؛ لأنهن إذا لم يردن التحصن لم يكرهن على البغاء فلا يمكن الإكراه عليه. (فصول بدائع).

(*) وكثير من القيود تخرج مخرج الغالب، كقوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}⁣[البقرة: ٦١]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}⁣[الأنعام: ١٥١]، وقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}⁣[النساء: ٢٣]، وقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}⁣[البقرة: ٢٩٢]، وقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ}⁣[النساء: ١٠١]، ونظائره كثيرة وللعلماء كلام فيها على مقتضى مذاهبهم فراجعه، والحق واضح. (عن خط السيد العلامة عبد القادر بن أحمد |).

(٣) في نسخة: يكون شرطاً.

(٤) أي: لإصدار الحكم من المتكلم لا لثبوته في نفس الأمر، كما يقال مثلاً: إذا نزل الثلج فالزمان شتاء، أي: أن معناه أن نزول الثلج شرط الحكمي بأن الزمان زمان الشتاء لا أنه شرط لثبوت الشتاء، فعند انتفاء النزول انتفى حكمي لثبوت الشتاء، فلا يلزم من انتفاء الشتاء انتفاؤه؛ لجواز ثبوته، وذلك مطلوبك. (من المنتخب من النقود والردود على شرح مختصر المنتهى للعضد).


[١] بل الظاهر أن بناءه على مذهب المعتزلة أظهر؛ فإن الجواز المذكور لا ينافي كونه في غاية البعد، بخلاف عدم الجواز فإنه ينافيه تأمل وتحقق. (حسن بن يحيى).

[٢] إذ لا تكون الكراهة إلا مع إرادة التحصن من غير عكس، فهي أخص من الإرادة. (ح عن خط شيخه).