الباب (الخامس) من المقصد الرابع: (في مفهومات الخطاب)
  لكونهما خلاف الأصل، قلنا: قد ثبت إجماع أئمة التفسير واللغة والبيان على إفادتها الحصر، فإذا خولف ذلك في بعض المواضع حمل على أنه لقرينة؛ جمعاً بين الأدلة، على أنه قد روي حديث: «إنما الربا في النسيئة» بلفظ: «لا ربا إلا في النسيئة» رواه ابن عباس عن أسامة، أخرجه مسلم والنسائي فيجب تأويل تلك الرواية كما يجب تأويل هذه عند الجميع بتخصيصه بمختلفي الجنس كما تقدم، فيثبت المفهوم.
  (وإلزامه) أي: الاستواء (في التقديم والتأخير ملتزم) يعني أن قول القائل: العالم زيد لو كان يفيد الحصر لكان قوله: زيد العالم كذلك، والتالي باطل، فالمقدم مثله(١)، أما الملازمة فلأن دليلكم في: العالم زيد أن العالم لا يصلح للحقيقة الكلية؛ لأن الإخبار عنها بأنها زيد الجزئي كاذب، ولا لمعين؛ لعدم القرينة الصارفة إلى العهد فرضاً، فكان لما يصدق عليه الجنس، فيفيد أن كل ما صدق عليه العالم زيد، وهو معنى الحصر، وهذا الدليل آت بعينه في قولنا: زيد العالم، والاشتراك في الدليل يوجب الاشتراك في الحكم.
  وأما بطلان التالي فلأن القائلين بإفادة الأول للحصر لا يقولون بإفادة الثاني، والجواب: أن ما ذكروه في استواء التقديم والتأخير في إفادة الحصر ملتزم، وقولهم: إن القائلين بإفادة الأول للحصر لا يقولون بإفادة الثاني له ممنوع؛ فإن صاحب المفتاح صرح بأن: المنطلق زيد، وزيد المنطلق سواء في إفادة حصر الانطلاق على زيد.
  (ولتبادره) أي: المفهوم (في الأولين) اللذين هما النفي والاستثناء وإنما
(قوله): «وإلزامه» الضمير عائد إلى الاستواء، والفاعل محذوف، أي: إلزام المخالف الاستواء، فالإضافة إلى المفعول.
(قوله): «وإنما» أي: لفظ إنما.
(١) في المطبوع: فالمقدم باطل.