هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: هل النسخ جائز]

صفحة 136 - الجزء 3

  محمد ÷، لكنه لم ينسخ شريعة موسى #، بل بعث إلى بني إسماعيل دون بين إسرائيل، وقد جرى هذا الكتاب على نهج الأصوليين في ذكر خلاف اليهود في النسخ، وكان الأنسب إغفاله؛ لأن الكلام في أصول الفقه فيما تقرر عند المسلمين إما اتفاقاً وإما اختلافاً، وأما خلاف الكفار فالمناسب ذكره في علم الكلام.

  (لنا) في الاحتجاج لمذهب الجمهور: أما الجواز فدليله أمران: أحدهما: (القطع بالجواز) عقلاً، فإنه لو فرض وقوعه لم يلزم منه محال لذاته سواء اعتبرت المصالح أم لا؛ أما إذا لم تعتبر فظاهر؛ لأن الله يفعل ما يشاء، وأما إذا اعتبرت فلأنا نقطع أن المصلحة تختلف باختلاف الأوقات كشرب دواء في وقت دون وقت، فلا بعد أن تكون المصلحة في وقت تقتضي شرع ذلك الحكم وفي وقت رفعه.

  وثانيهما: أن الأحكام الشرعية قد ثبت أنه مراعى فيها المصالح إما وجوباً كالمعتزلة وإما تفضلاً⁣(⁣١) كغيرهم (واختلاف المصالح باختلاف الأوقات) معلوم كما قررناه آنفاً.

  (و) أما الوقوع فله أدلة، منها: (الأمر بتزويج بنات آدم من بنيه)⁣(⁣٢) فإنه جاء في التوراة أن آدم # أمر بتزويج بناته من بنيه بلفظ الإطلاق، بل العموم،


(١) ينظر في قوله: وإما تفضلاً كغيرهم، يعني الأشاعرة. قال العلامة المقبلي: هذا الإجماع مدخول، ودعوى العضد أنهم يقولون بالمصالح تفضلاً يرده تصريحهم في الأصول بأن تعليل أفعاله تعالى بالحكم محال؛ لأنه يكون مستكملاً بالغير، وهو محال، ومناقضة بعضهم في كلامه في الكلام والأصول عجيبة. وقال السيد محمد بن إبراهيم: إذا تكلموا بالفطرة أقروا بالحكمة، وإذا ذكروا المذهب جحدوا.

(٢) أخرج الطبراني عن ابن مسعود وابن عباس: كان لا يولد لآدم غلام إلا ولدت معه جارية، وكان يزوج توأمة هذا للآخر وتوأمة الآخر لهذا، وقد حرم ذلك في شريعة من بعده من الأنبياء اتفاقاً، وهذا هو النسخ. (من شرح التحرير).