(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  واحتجوا ثانياً بقول الله تعالى: ({يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}) [النساء: ٢٨]، وبقوله تعالى: ({يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(١) [البقرة: ١٨٥]، والنقل إلى الأثقل بخلاف ذلك، فلا يريده، قلنا: التخفيف واليسر والعسر في الآيتين مطلق لا عام، واللام للجنس لا للاستغراق، ولو سلم فالمراد في الآخرة كتخفيف الحساب وتكثير الثواب، ولو سلم(٢) فمجاز باعتبار ما يؤول إليه؛ لأن عاقبة التكليف هذان، ولو سلم كونه دنيوياً وحقيقة(٣) فهو (مخصوص بما ذكرناه) من النسخ بالأثقل (كالثقيلة)(٤) أي: كتخصيصه بالتكاليف الثقيلة الشاقة (وأنواع الابتلاء) في الأبدان والأموال(٥) اتفاقاً.
  احتجوا ثالثاً بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦]، والخير هو الأخف، والمثل هو المساوي، والأشق ليس شيئاً منهما.
  قلنا: الأشق خير باعتبار الثواب؛ بدليل قوله تعالى: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ..} الآية(٦) [التوبة: ١٢٠]، ويقول الطبيب للمريض: الجوع خير لك.
(قوله): «واللام للجنس لا للاستغراق» صرح في الجواهر بأن هذا مبني على أن اللام حقيقة في الجنس فلا يحمل على الاستغراق إلا بقرينة، لكن قد عرفت أنها حقيقة في الاستغراق كما سبق تحقيقه في باب العموم فينظر، اللهم إلا أن يقال: قد يجاب على المخالف بما لا يختاره المجيب كما سبقت الإشارة إلى مثل ذلك.
(١) وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨].
(٢) كون الاستغراق دنيوياً.
(٣) وعاماً.
(٤) كبالثقيلة نسخة.
(٥) من الانتقام والأمراض والآفات التي يبتلي بها الله سبحانه عباده ليتسبب بها الصابرون إلى نيل ثوابه الجزيل. (من شرح جحاف).
(٦) وقال #: أجرك بقدر نصبك. (عضد).