هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 185 - الجزء 3

  سبق⁣(⁣١) تحقيقه، (سلمنا) عدم الانفكاك بين العلم والعالمية وبين المنطوق والمفهوم فلا نسلم التساوي في الشبه؛ إذ العلم والمنطوق علة العالمية والمفهوم، والعلة والمعلول يجب تلازمهما ابتداء ودواماً، بخلاف التلاوة والحكم (فتلازمهما ابتداء لا دواماً⁣(⁣٢)) لأن التلاوة أمارة⁣(⁣٣) الحكم في ابتداء ثبوته دون حالة دوامه، فلا تدل إلا على ثبوته ابتداء، ولا يدل دوامها على دوامه؛ ولذلك ثبت الحكم بها مرة واحدة مع تكررها أبداً، فإذا نسخت التلاوة وحدها كان نسخاً لدوامها، وهو غير الدليل، وإذا نسخ الحكم وحده فهو نسخ للدوام، وهو غير المدلول (فلا) يلزم (انفكاك) الدليل عن المدلول⁣(⁣٤).

  (قيل) في الاحتجاج للمانعين لنسخ أحدهما دون الآخر ثانياً: (بقاء أحدهما) من دون الآخر (يوقع في الجهل) لإيهامه⁣(⁣٥) اعتقاد نفي الحكم لنسخ التلاوة،


(١) ضرورة أن تفهيم مدلول الخطاب موقوف عليها، أما بعد التفهيم فلا نسلم أنها لازمة. (منتهى السؤل).

(٢) فإذا انتفى دوام الأمارة لم يلزم انتفاء مدلولها؛ إذ لا يلزم من انتفاء العلامة انتفاء الحكم، وبالعكس، أي: لا يلزم من انتفاء الحكم انتفاء الأمارة. (شرح البدائع للأصفهاني). والله أعلم.

(*) وحاصل ذلك أن دلالة الأمارة على مدلولها ظني، ويجوز تخلف الحكم المظنون عن دليله؛ إذ لا ربط بين الظن وبين متعلقه وإن كان بينه وبين سببه ربط، فالفرق بين الأمرين واضح كما قدمنا في صدر المبادئ، فإذا نسخ اللفظ الدال على الحكم لم ينتف المدلول؛ لأن اللفظ سبب والمدلول مسبب، وانتفاء السبب الخاص لا يستلزم انتفاء المسبب؛ لجواز تعدد الأسباب كما علمت وكذلك نقول في العكس، أي: نسخ الحكم دون التلاوة: إنه لا ربط بينه وبينها وإن كان بينها وبين ظن الحكم ربط فإن الظن يذهب مع بقاء سببه كما عرفت. (مختصر وشرحه للجلال).

(٣) الذي هو الثبوت ابتداء؛ لأن المرفوع هو التكرار، وهو غير الدليل.

(*) بخلاف العالمية مع العلم والمنطوق مع المفهوم إن ثبتا؛ لتلازمهما ابتداء ودواماً. (شرح سبكي على المختصر).

(٤) صوابه: لاقتضائه.

(٥) هذا في نسخ الحكم مع بقاء التلاوة.