هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 189 - الجزء 3

  وجمهور المتأخرين من الشافعية يتأولون كلامه بأنه إنما أراد نفي الوقوع دون الجواز، قال الإمام يحيى: ومن أئمة الزيدية من ذهب إلى ذلك، وذلك للدليل السمعي، أعني (لقوله تعالى:) {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ)}⁣[النحل: ٤٤]، فيجب أن يكون ما جاء به من الذكر الذي هو القرآن مبيناً لا رافعاً (والنسخ رفع) لا بيان.

  (قلنا: البيان) معناه (التبليغ)⁣(⁣١) لأنه إظهار، (سلمنا فالنسخ بيان) لانتهاء مدة الحكم كما سبق في مقدمة الباب، (سلمنا⁣(⁣٢) فأين نفيه⁣(⁣٣)) أي: النسخ؛ لأنها إنما تدل على كونه مبيناً في الجملة، ولا ينافي كونه ناسخاً في الجملة، سلمنا التعميم⁣(⁣٤) فلم لا يكون مبيناً باعتبار ما ثبت به من الأحكام، ناسخاً باعتبار ما ارتفع به منها.

  وقد يقرر الاحتجاج بهذه الآية على وجه آخر، حاصله: أن الآية تدل على أن السنة تبين القرآن؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إنما يكون مبيناً بها، فلو نسخ الكتاب السنة لكان مخالفاً لقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}⁣[النحل: ٤٤]؛ إذ النسخ تبيين، فيكون المبين هو الكتاب لا الرسول، فيلزم نقيض ما نطق به القرآن، وهو محال، وحاصل الجواب منع اختصاص تبيينه بها؛ لجواز أن يكون


(١) ومعنى لتبين أي لتبلغ، ويسمى التبليغ بياناً لأنه إظهار، ولو سلمنا أن التبليغ ليس بياناً فلا نسلم أن النسخ ليس بياناً؛ لأنه بيان لما بينا أنه بيان انتهاء تعلق المصلحة بالحكم. (من شرح جحاف على الغاية).

(٢) إن النسخ رفع لا بيان.

(٣) إذ ليس في الآية ما ينفيه، إنما قال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}⁣[النحل: ٤٤]؛ ولا دلالة فيه على أنه لا ينسخ شيئاً من الأحكام؛ لعدم التنافي بين البيان والنسخ، فلو قال: لتبين للناس ما نزل إليهم ولنسخ ما ينسخ من الأحكام لم يتناقض. (من شرح جحاف أيضاً).

(٤) أي: كون القرآن مبيناً لكل شيء.