(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  ما جاؤوا به؛ من حيث تجويز أن يأتوا من عند أنفسهم بما يرفع حكم ما جاء من عند الله، وقد نبه الله تعالى على نفي هذا المعنى بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}[يونس: ١٥].
  قلنا: قيام(١) الدلالة على بعثتهم للتبليغ عن الله تعالى وتعريف الأمة مصالحها الشرعية، وعلى أن كل ما جاء به من عند الله، وعلى أنه لا يجوز عليه الكذب والتغيير والتبديل يزيل التنفير.
  (و) الجمهور أيضاً (على منع نسخ الكتاب والسنة المعلومة بالآحاد) التي لا تفيد القطع بالقرائن؛ لأن القاطع لا يعارضه(٢) المظنون.
  وذهب متأخرو الحنفية إلى جواز نسخ الكتاب والسنة المتواترة بالخبر المشهور(٣)، قالوا: لأن النسخ بيان من وجه وتبديل من آخر، فمن حيث بيانيته يجوز بالآحاد كبيان المجمل والتخصيص، ومن حيث تبديله يشترط التواتر، فجاز التوسط بينهما(٤) عملاً بالجهتين.
  وفيه: أنه لا واسطة بين العلم والظن، وقد صرحوا بأن المظنون لا يقابل
(قوله): «بالقرائن» زاده المؤلف # ليدخل فيه ما أفاد القطع بالقرائن فإنه يجوز النسخ به كما يأتي إن شاء الله تعالى في خبر أهل قباء.
(١) مبتدأ، خبره يزيل.
(٢) يمكن أن يقال: القطعي في أصل الحكم لا في دوامه، والنسخ يرد على الثاني لا الأول، فلا يلزم رفع القطعي بالظني. (شرح منهاج البيضاوي باختصار).
(٣) لكونه في قوة القطعي عندهم.
(*) قال ابن حجر: وهو أول أقسام الآحاد، وهو ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين ولم تبلغ الطرق حد التواتر، وهو المشهور عند المحدثين، سمي بذلك لوضوحه، وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء، سمي بذلك لانتشاره، من فاض الماء يفيض فيضاً. ثم المشهور يطلق على ما حرر هنا وعلى ما اشتهر على الألسنة، فيشمل ما له إسناد واحد، ويطلق على ما لا يوجد له إسناد أصلاً. (من نخبة الفكر).
(٤) بأن يكون بمشهور.