(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  والخلاف في الجزئيات) فالنافون لكون الزيادة نسخاً على الإطلاق يحكمون بأن حكم المزيد عليه باق، وأن التعبد في الركعتين ووجوبهما واستحقاق الثواب عليهما حاصل بعد زيادة الثالثة كما كان قبلها، والمثبتون على الإطلاق يحكمون بأن الزيادة قد رفعت حكماً شرعياً، وهو إجزاء المزيد عليه من دون الزيادة في الركعتين والحد والطهارة والمطلق إذا قيد؛ بناء على أن الإجزاء حكم شرعي.
  وإذا توجه الخلاف إلى الجزئيات حسن أن نذكر مختار أصحابنا فيما اختلف فيه منها فنقول: قد نص أكثر أصحابنا على أنه لا نسخ في زيادة العشرين والتغريب في حد القاذف والبكرين وهو مبني على بطلان مفهوم العدد(١)، وأما إذا أثبتناه كان المنع من الزيادة مستفاداً من جهة الشرع، فإذا ثبتت الزيادة بدليل شرعي متراخ كان نسخاً(٢)، وهكذا الكلام في إيجاب الزكاة في المعلوفة بعد نص السائمة، وفي زيادة الحكم بشاهد ويمين بعد الاقتصار على شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وتقييد المطلق وتخصيص العام نسخ مع التراخي كما تقدم، وأما
= فإنه يكون نسخاً لذلك المنقوص إجماعاً، وهل يكون نسخاً للباقي؟ إن كان المنقوص عبادة مستقلة كنسخ إحدى الخمس لم يكن نسخها نسخاً للباقي اتفاقاً، وأما إذا نقص عبادة غير مستقلة كنقص شطر أو شرط كما إذا نقص ركعتين من الظهر مثلا أو نقص شرطاً كالطهارة فعن بعض الشافعية أنه نسخ للباقي فيهما، وعن أبي طالب والقاضي إذا كان المنقوص شطراً كنقص ركعتين من الظهر كان نسخاً للباقي، وإن كان المنقوص شرطاً كالطهارة لم يكن نسخاً للباقي، والمروي عنهما في الفصول إن كان المنقوص شطراً كركعة ونحوها أو شرطاً متصلا كالقبلة كان نسخه نسخاً للباقي، ومختار أئمتنا $ والأكثر أن نسخه لا يكون نسخاً للباقي مطلقاً، لنا: لو كان الباقي منسوخاً لافتقر ثبوته إلى دليل ثان، وهو باطل إجماعاً.
(١) ليس الكلام في نسخ المفهوم، وإنما الكلام في نسخ ما له المفهوم؛ لأنه محل الخلاف؛ لأن الزيادة إنما هي عليه، وفيه وقع النزاع، وقد يجاب بأن قوله: لا نسخ في زيادة العشرين يفيد العموم؛ لأنه نكرة في سياق النفي فاستدرك ذلك بتخصيصه بالقول ببطلان مفهوم العدد، وأما على القول به فلا عموم.
(٢) إن قيل: يكون نسخاً للمنع من الزيادة وتحريمها، وأما المزيد عليه فلا نسخ فيه؛ لأنه لا يفيد بتركها فيحقق.