(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  عليها لتلازمهما، وذلك كالجمع بين النبيذ والخمر بالرائحة الفائحة الملازمة للشدة المطربة، فبين كون الحد شاملاً له بقوله: «لتضمنها» يعني لتضمن العلة الباعثة وإن لم يصرح بها، فإن المشاركة في الرائحة المخصوصة تدل على المشاركة في الشدة المطربة.
  وقوله: (والعكس ملازمة) ... إلى آخره إشارة إلى دفع ما وقع من الاعتراض(١) بكون الحد غير جامع؛ لأن اشتراط الاشتراك في العلة مخرج
(قوله): «الرائحة الملازمة للشدة المطربة» هكذا عبارة شرح المختصر في شروط الفرع كما يأتي، فكأن نفس الشدة المطربة هي الإسكار. وعبارة شرح المختصر وحواشيه هنا كما لو علل في قياس النبيذ على الخمر برائحته المشتدة، فيرجع هذا القياس إلى الاستدلال بالرائحة على الإسكار، وبالإسكار على التحريم، لكن قد اكتفي بذكر الرائحة عن التصريح بالإسكار.
(قوله): «إلى آخره» هذا اللفظ من الشرح لا من المتن، أي: إلى آخر ما في المتن، أعني قوله: والقياس لبيانها إلى آخره. واعلم أن ابن الحاجب أدخل قياس العكس في قياس المساواة وبين ذلك =
(١) في شرح ابن جحاف على الغاية ما لفظه: وقد أورد على حد القياس أيضاً قياس العكس؛ لأن الثابت به في الفرع نقيض حكم الأصل بنقيض علته، كقولنا في اشتراط الصوم في الاعتكاف بغير نذر: وجب بالنذر فوجب بغير النذر كالصلاة لم تجب بالنذر فلم تجب بغير نذر، والعلة في الفرع وجوبه بالنذر، والحكم وجوبه بغير نذر، والعلة في الأصل عدم وجوبها بالنذر، والحكم عدم وجوبها بغير نذر، فافترقا حكماً وعلة، فدفع المؤلف ¦ هذا الاعتراض بقوله: ومن القياس أيضاً قياس العكس؛ لأن حاصله ملازمة، أي: الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم، والقياس إنما أتي به لبيان هذه الملازمة، ومعناه أن وجوبه بالنذر ملزوم لوجوبه بغير نذر، فيلزم من وجوده وجوده، ويلزم من عدم وجوبه بغير نذر عدم وجوبه بالنذر، فيلزم من عدمه عدمه على ما هو قياس الملازمة من أنه يلزم من وضع المقدم وضع التالي، ومن رفع التالي رفع المقدم، وكانت هذه الملازمة مفتقرة إلى البيان، فبينت بالقياس، فقيل: لو لم يجب بغير نذر لم يجب بالنذر، كالصلاة لم تجب بغير نذر فلم تجب بالنذر، فالمقيس هو عدم وجوب الصوم بالنذر فرضاً وتقديراً لا على ما هو الواقع في نفس الأمر على عدم وجوب الصلاة بالنذر؛ لاشتراكهما في العلة، وهي عدم الوجوب بغير نذر فرضاً في الفرع وتحقيقاً في الأصل، فالاشتراك في الحكم والعلة حاصل، فهو داخل، والاشتراك بين الأصل والفرع في العلة حاصل، فقياس العكس حينئذ داخل في الحد والتلازم خارج عنه.