هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: هل النص على العلة كاف في التعبد بالقياس؟]

صفحة 268 - الجزء 3

  الأحكام؛ لأنه يقال: إطلاقها لا يستلزم عمومها، فإذا قيل: حرمت الخمر لإسكارها احتمل أن العلة إسكارها، واحتمل أنها مطلق الإسكار؛ لجواز أن يجعل الله تعالى إسكار الخمر بخصوصه هو العلة لما يعلم فيه من المفسدة الخاصة به وأن يجعل مطلق الإسكار هو العلة، ومع قيام الاحتمال يمتنع القياس من دون أمر مستأنف به، وإذا صح الاحتمال في جانب الترك فثبوته في جانب الفعل أولى⁣(⁣١).

  لا يقال: قيام الاحتمال يقتضي امتناع القياس عند النص على العلة مع ورود الأمر به أيضاً؛ لأنه يجاب بالمنع؛ إذ ورود الأمر به قرينة مرجحة لأحد الاحتمالين.

  واحتج أبو طالب لتصحيح مذهب الأكثرين بأن الحكم المنصوص على علته لا يمتنع أن تتعلق المصلحة بفعله وحده، فإن ضم إليه ما يشاركه في علته خرج عن كونه صلاحاً وتعلقت المفسدة بمجموعهما⁣(⁣٢) كما عرفنا في الشاهد، فإن


(قوله): «من دون أمر مستأنف به» الباء متعلقة بالأمر، والضمير عائد إلى القياس، أي: من دون أمر بالقياس - أي: بالتعبد بالقياس - مستأنف.

(قوله): «وإذا صح الاحتمال» أي: احتمال كون الإسكار علة لتحريم النبيذ وتركه.

(قوله): «فثبوته في جانب الفعل» كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد ونحو ذلك.

(قوله): «أولى» لما سيأتي في شبهة البصري.

(قوله): «كما عرفنا في الشاهد ... إلخ» ينظر؛ فإن الفرق بين هذا المثال وما نحن فيه ظاهر؛ فإن الحكم المنصوص على علته إذا ألحق به غيره مما وجدت فيه تلك العلة لتحصيل مصلحة فإنه ليس كمضاعفة العطاء في كونه منشأ لزيادة المفاسد؛ إذ المصلحة فيما وجدت فيه تلك العلة كالفرع متعلقة بفعله، بخلاف المثال المذكور⁣[⁣١].


(١) فلا بد من دليل التعبد به.

(٢) يعني بالحكم المنصوص على علته وما ضم إليه مما يشاركه في العلة.


[١] لعله يقال: قد لا يطرد ذلك فيما يكون الحكم إباحة منصوصاً على علته، نحو أن يقول الشارع: اشربوا العسل لما فيه من الالتذاذ والتغذية، فإن تعدي حكم الإباحة إلى غيره مما فيه اللذة والتغذية قد يؤدي إلى التهور في كل ما يشاركه فيها، فتحصل مفسدة الغفلة بتطلب اللذات والانهماك في تحصيلها، وحينئذ فلا يمتنع أن تتعلق المصلحة بإباحة الأصل وحده المنصوص على علته، فيكون كالمثال الذي في الشاهد. (ن ح |).