[مسألة: هل النص على العلة كاف في التعبد بالقياس؟]
  الأب قد يغلب في ظنه(١) من حال ولده أنه إذا أعطاه ثوباً أو ديناراً دعاه ذلك إلى لزوم طاعته وسلوك طريق الاستقامة والاشتغال بخصال الخير، وأنه إن ضاعف ذلك له صار مفسدة له ودعته الزيادة إلى الاشتغال باللهو واللعب، وعلى هذه الطريقة قال الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}[الشورى: ٢٧]، فحينئذ لا يجوز أن يحمل غير المنصوص على المنصوص إلا إذا دلت الدلالة على إثبات القياس، فإنا نأمن عند ذلك من تعلق المفسدة(٢) بحمله عليه.
  وقوله: (وإفادته التعميم عرفاً ممنوع) إشارة إلى شبهة القائلين بكفايته وجوابها. تقريرها: أن ذكر العلة يفيد التعميم بالإلحاق عرفاً، نحو قول الأب لابنه: لا تأكل هذا لأنه مسموم، وقول الطبيب: لا تأكل هذا لبرودته؛ فإنه يفيد صحة أن يلحق به كل مسموم وكل بارد في وجوب الامتناع.
  والجواب: المنع، فإنه احتجاج بنفس المدعى، وما ذكرتموه من المثالين إنما فهم فيهما التعميم وصحة الإلحاق بالقرائن، كشفقة(٣) الأب وتعويل الأطباء على مطلق الخواص من غير نظر إلى خصوص محالها، وأما أحكام الله تعالى فإنها قد
(قوله): «وإفادته» أي: النص على العلة.
(قوله): «على مطلق الخواص» أي: خواص الأصول المفردة كالحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وما تركب منها.
(قوله): «من غير نظر إلى خصوص محالها» مثلا لا يجعلون خاصة البرودة في شيء معين بعينه، وكذا الحرارة، وعلى ذلك فقس.
(١) في (أ، ب، ج): على ظنه.
(٢) لحصول الإذن بالقياس.
(٣) وأجيب بمنع كون الفهم من الشفقة، بل من العلة؛ ولهذا لو قال له الطبيب: لا تأكل هذا لحموضته فإنه يفهم عرفاً المنع من كل حامض، فالعموم ظاهر، واحتمال التخصيص بالمحل لا يدفع الظهور، ولا يختص الظهور بغير الأحكام حتى يكون بخلاف الأحكام فإنها قد تختص لأمر لا يدرك؛ لأن احتمال اختصاصها احتمال مرجوح لا يدفع الظهور، ولو دفع الاحتمال المرجوح الظهور لما جاز العمل بالنصوص؛ لعدم خلوها عن احتمال مرجوح. (مختصر وشرح الجلال عليه).