التصورات
  واعلم أن الحقائق(١) الموجودة في الخارج يتعسر الاطلاع على ذاتياتها
(قوله): «يتعسر الاطلاع على ذاتياتها ... إلخ» قال في بعض حواشي المختصر[١]: فلما كان كذلك نظروا في آثار الماهية الفائضة عنها واشتقوا منها ما يحمل على الماهية[٢]، =
(١) قال البرقعيدي في حواشيه على شرح الكاتي لإيساغوجي ما لفظه: فإن قيل: فلم قيل: إن الحيوان ذاتي والماشي عرضي مع أن كل واحد منهما لاحق بالإنسان وأعم منه؟ قلت: التمييز بين الذاتيات والعرضيات غامض، لكن للمنطقيين قاعدة يمكن التمييز بها، وهي أنه إذا كان للشيء الواحد لواحق عامة يكون أقدمها ذاتياً جنساً لها، كالحيوان فإنه أقدم بالنسبة إلى سائر اللواحق وهو الماشي. فإن قيل: لم جعل الناطق ذاتياً ولم يجعل الضاحك ذاتياً مع أن كل واحد منهما مختص للنوع؟ قلت: إن القاعدة في التمييز أنه إذا كان للنوع عوارض مختصة يكون أقدمها ذاتياً كالناطق للإنسان مثلاً فإنه مقدم بالنسبة إلى التعجب والضاحك؛ لأن النطق سبب للتعجب، والتعجب سبب للضحك، والسبب مقدم على المسبب، فيكون النطق مقدماً على التعجب والضاحك؛ لأنه سبب قريب للتعجب وسبب بعيد للضحك. اهـ المراد هنا.
[١] القائل الأبهري عند تكلمه على شرح المختصر على قول ابن الحاجب في صدره: فالمبادئ حده وفائدته واستمداده. (ح).
[٢] في شرح التجريد للبوشنجي في الفصل الثاني في الماهية ما نصه بعد ذكر الأول والثاني: الثالث: أن تكون تلك الأجزاء صوراً لأمر واحد لكن كانت مأخوذة من أمور متعددة بحسب الخارج، وهذا قول من قال: إنه لا معنى للتركيب من الأجزاء المحمولة إلا أن هناك شيئاً واحداً قد حصل له معان تتبعها معانٍ أخر فيحصل من تلك المعاني مفهومات صادقة عليه بهو هو، وهو يصير باعتبار حصولها شيئاً مخصوصاً ذا ماهية مخصوصة يمتاز عن سائر الأشياء بالماهية والخواص، فالمأخوذة من المتبوعات هي الذاتيات، وبها صارت تلك الماهية تلك الماهية؛ إذ ليس المراد بهذا النوع من الماهية سوى أن يكون شيء قد حصل له معان تتبعها صفات لا توجد بدونها، والمأخوذة من التوابع هي العرضيات؛ إذ ليس لها مدخل في نفس الماهية، بل إنما حصلت بالعرض، كما حصل للإنسان عدة من المعاني كالأبعاد والنمو والحس والحركة بالإرادة والنطق، وهي مستتبعة لمعانٍ أخرى، الأبعاد التحيز، والنمو التغير، والحس الانفعال، والنطق التعجب، والمجموع قابلية الصناعات، فصار بها جوهراً جسمانياً نامياً حساساً متحركاً بالإرادة ناطقاً، وهي الذاتيات، فصار متحيزاً متغيراً متعجباً ضاحكاً قابلاً للصناعات، وهي العرضيات.
وزعم هذا القائل إنه يسهل بهذا التحقيق امتياز الذاتيات من العرضيات الذي هو معظم أركان الحكمة، ويقرب منه ما قالوا من أن الجنس والفصل قد يكونان مأخوذين من أجزاء خارجية، ولذلك حكموا بأن أجناس الأجسام وفصولها مأخوذة من موادها وصورها، وأن الحيوان مأخوذ من بدن الإنسان والناطق من نفسه، وهو مردود بأن تلك المعاني الحاصلة للشيء المستتبعة لمعان أخرى إن كانت داخلة في ذلك الشيء كان مركباً من أجزاء متمايزة في الوجود فلا يكون شيئاً منها محمولاً عليه مواطأة، ولا تكون المحمولات المشتقة منها ذاتيات له؛ لأن المشتق من جزء خارجي يشتمل على نسبة خارجية عن المركب ضرورة خروج النسبة عن المنتسبين، والمشتمل على ما هو خارج عن الشيء لا يكون ذاتياً له، وإلا لزم أن يدخل في الماهية ما هو خارج عنها، وإن كانت خارجة عنه لم يكن شيء منها ذاتياً له، وكذا المحمولات المشتقة منها لا تكون ذاتيات له؛ لاشتمالها على المعاني الخارجة عن هذا المركب، هكذا ذكر بعض المحققين. أقول: يستفاد منه أن الأجزاء المحمولة لا تكون مفهومات المشتقات؛ لأن مأخذ الاشتقاق إن كان خارجاً عن ماهية المركب فظاهر، وإلا فمفهوم المشتق يشتمل على نسبة لمأخذ الاشتقاق إلى ما صدق عليه المشتق، أعني المركب، فالنسبة خارجة عن المركب وكذا مفهوم المشتق لاشتماله عليها للاحتمال. (من المذكور باللفظ ح).