هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في المصيب في العقليات وحكم ظنيات الشرع]

صفحة 585 - الجزء 3

  لم يكن؛ إذ القول بأن اليهودي غير مخط في نفيه نبوة نبينا ÷ ليس بأبعد من القول بأن المجتهد من أهل القبلة غير مخط في أن الله تعالى جسم وفي جهة، والعنبري إن أراد بتصويب كل مجتهد في العقليات وقوعَ معتقده لزم التناقض، كقدم العالم وحدوثه، وإن أراد عدم الإثم فمحتمل.

  (وإلا) يكن مخالفاً لما علم من الدين بالضرورة بل لغيره من القطعيات المعلومة بطريق النظر كحجية الإجماع والقياس وخبر الواحد والفقهيات المعلومة بالإجماع (فآثم) مخطئ (إن قصر) لا كافر (والإجماع) من المسلمين قبل ظهور المخالف (على كونهم) أي: الكفار معاندهم ومجتهدهم (من أهل النار يبطل نفي تأثيم المجتهد) منهم كما يقوله الجاحظ (و) يبطل (تصويبه) كما يقوله العنبري.

  (وكون التكليف بخلاف الاجتهاد مما لا يطاق ممنوع) إشارة إلى شبهة الجاحظ والعنبري وجوابها، تقرير الشبهة: أن حصول ما يترتب على الاجتهاد من الاعتقاد ضروري فيمتنع اعتقاد نقيضه، وإلا اجتمع النقيضان، والجواب


(قوله): «فمحتمل» يعني عقلا، ومعنى احتماله عقلا تجويز العقل له لسلامته عن التناقض، وتكون مقالته كمقالة الجاحظ.

(قوله): «والفقهيات المعلومة بالإجماع» أو بغيره مما يفيد القطع؛ ولذا قال فيما يأتي: وقطيعات الفروع، فأطلق ولم يقيد.

(قوله): «فآثم مخطئ» لو قال: فمخط آثم لكان أحسن.

(قوله): «أن حصول ما يترتب على الاجتهاد ... إلخ» المذكور في المتن أن الذي لا يطاق هو التكليف بخلاف الاجتهاد نفسه، والمذكور في هذا التقرير أنه التكليف بخلاف الاعتقاد المترتب على الاجتهاد، فيكون ما في المتن بحذف مضاف، أي: نتيجة الاجتهاد، أو يكون الاجتهاد بمعنى مجتهدهم. وتقرير هذه الشبهة على ما في شرح المختصر أن المقدور بالذات هو الاجتهاد والنظر؛ لكونهما من قبيل الأفعال الاختيارية، دون الاعتقاد فليس بمقدور؛ لكونه من قبيل الصفات والكيفيات النفسية، وما يؤدي إليه الاجتهاد حصوله بعد الاجتهاد ضروري، أي: لا ينفك عنه، وتقرير الجواب: أنا لا نسلم أن نقيض اعتقادهم غير مقدور؛ فإن ذلك الامتناع بشرط وصف الموضوع، أي: ما داموا معتقدين لذلك يمتنع أن يعتقدوا خلافه، وذلك لا يوجب كون الفعل ممتنعاً منهم غير مقدور لهم، فإن الممتنع الذي لا يجوز التكليف به ما لا يتأتى عادة كالطيران، أما ما كلفوا به فهو الإسلام، وهو متأت منهم ومعتاد حصوله من غيرهم ومثله لا يكون مستحيلا.