هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في الخلاف في جواز التفويض إلى النبي ÷ أو إلى المجتهد ليحكم بما رآه]

صفحة 618 - الجزء 3

  الشافعي، والذي عليه الجمهور من أئمتنا والمعتزلة أنه (يمتنع التفويض) فلا يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لغيره على لسان نبي: احكم بما تشتهيه كيف⁣(⁣١) اتفق فإنك لا تحكم إلا بالحق (لعدم إدراك المصالح) والشرعيات مصالح، ولا يستمر من مكلف اختيار الصلاح وإدراكه على جهة الاتفاق، كما لا يستمر الصدق ممن يخبر عن علم، وإذا جاز من المكلف اختيار الفساد كان الأمر بالحكم باختياره أمراً بما لا يؤمن أن يكون مفسدة، وهو قبيح.

  واعترض بجواز أن يكون الفعل مصلحة بحسب اختياره كما يكون مصلحة بحسب ظنه. وأجيب: بأنه إن كان للاختيار تأثير في كون الفعل مصلحة سقط التكليف ولحق بالإباحة؛ لأنها ليست بأكثر من أن يقال: إذا اخترته فافعله، وإن لم تختره فلا تفعله، وإلا لم يستمر اختيار المصلحة اتفاقاً قَلَّت الأفعال المخير فيها أو كثرت؛ لعدم انفكاك تجويز المفسدة من كل واحد.

  فإن قيل: إذا قيل له: إنك لا تحكم إلا بالحق أمنت المفسدة، أجيب: بأن صحة مثل هذا القول داخل في المتنازع لكونه خبراً، ولا يصح استمرار اختيار المصلحة اتفاقاً، فلا يصدق، فلا يجوز أن يقال.


(قوله): «لعدم إدراك المصالح» دفع هذا ابن الحاجب بأنه إنما يؤمر بذلك حيث علم الشارع أنه يختار ما فيه المصلحة، فتكون المصلحة لازمة لما يختاره وإن جهل المصلحة. قلت: وهذا غير ما أجاب به المؤلف # فيما يأتي قريباً.

(قوله): «بأن صحة مثل هذا القول داخل في المتنازع» داخل خبر أن، ودخوله في المتنازع يحتمل دخوله في حيز النزاع والمنع «لكونه خبراً» فصدقه مبني على استمرار اختيار المصلحة اتفاقاً، ولا يصلح استمرارها فلا يصدق، فلا يجوز أن يقال. وقد ذكر المهدي # ما يدل على هذا حيث قال: فكما لا يجوز أن يقول الله تعالى لنبيه ولا لمجتهد: أخبر بما شئت فإنك لا تخبر إلا بصدق، والتحليل والتحريم في حكم الإخبار عن المصالح، فلا يجوز ذلك كما لا يجوز في الخبر اتفاقاً؛ إذ لو صح وقوع الصدق واستمراره على جهة الاتفاق لم يكن إخبار الأنبياء عن الغيب معجزة لهم. قلت: ويحتمل أن المراد بدخوله في المتنازع الذي هو التفويض، وهو ظاهر العبارة، ولا يخفى ما فيه.


(١) (لتأديته) أي: الجواز (إلى اختيار ما لا مصلحة فيه) لعدم التأمل والاجتهاد الموصل إلى معرفة المصالح. (تحرير وشرحه).