[تعريف الاجتهاد]
  احتج الآخرون أما على الجواز فبعدم امتناعه لذاته، ولا غير يمنعه، وبناؤه على نفي القبح العقلي (و) أما على الوقوع فبقوله تعالى: {(إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ) عَلَى نَفْسِهِ}[آل عمران: ٩٣]، ولا يستقيم إلا بتفويض التحريم إليه، وإلا كان المحرم هو الله تعالى (و) بحديث ابن عباس(١) المتفق عليه أن رسول الله ÷ قال يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض»، إلى أن قال: «فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها(٢)» فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: («إلا الإذخر») دل على التفويض إلى رأيه حيث أطلق المنع ثم استثنى بالتماسه، مع ظهور أنه لم ينزل الوحي في تلك اللحظة الخفيفة (و) بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله
(قوله): «ولا يختلى خلاها» الخلى مقصور: الرطب من النبات أو يابسه، واحدته خلاة، واختلاه جزه أو نزعه.
(١) فيه دلالة على أن تحريمها كان من أول الزمان كما عليه الأكثرون، وأجابوا عن قوله: «إن إبراهيم حرم مكة» - وهو في صحيح مسلم من حديث جابر - بأن تحريمه كان خفياً فأظهره إبراهيم # وأشاعه لا أنه ابتدأه، وقيل: بل ابتدأه أخذاً بظاهر هذا الحديث ونحوه، وأجابوا عن الأول بأن معناه أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله، وفيه تحريم القتال بمكة وإن بغى أهلها على أهل العدل، وبه قال بعض الفقهاء، بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة، لكن نص الشافعي على جواز قتالهم؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها، وهذا هو الصواب، واختار في سير الواقدي في الحديث أن معناه تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد أخرى فإنه يجوز قتالهم على كل حال بكل شيء، ووقع في شرح التلخيص للقفال المروزي أنه لا يجوز القتال بمكة، حتى لو تحصن فيها جماعة من الكفار لم يجز لنا قتالهم، قال النووي، وهذا غلط ظاهر. (من بهجة المحافل للعامري الشافعي).
(٢) وفي مجمع البحار: هو بالقصر النبات ما دام رطباً، واختلاه قطعه، وأخلت الأرض كثر خلاها، وإذا يبس فهو حشيش مختلى بضم أوله وفتح لامه.