[تعريف الاجتهاد]
  والنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
  ظلت سيوف بني أبية تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
  صبراً يقاد إلى المنية متعباً ... رسف المقيد وهو عان موثق
  قال ابن هشام: فيقال والله أعلم: إن رسول الله ÷ لما بلغه هذا الشعر قال: «لو بلغني هذا قبل لمننت عليه(١)» دل على أن القتل وعدمه مفوض إليه.
  والجواب: أن ما ذكروه جميعاً لا نسلم دلالته على التفويض، فإن تحريم إسرائيل (محمول(٢) على الاجتهاد) منه، فمعناه أنه حرمه على نفسه بدليل ظني(٣) (و) استثناء الإذخر من باب (التخصيص) والعباس فهمه وأنه لم يرد به
(قوله): «والعباس ¥ فهمه، وأنه لم يرد به العموم» فإن قيل: إذا لم يرد به العموم فكيف يصح استثناؤه مع عدم دخوله؟ وأجيب بأنه ليس استثناء من القول الأول، بل يقدر تكرير العباس لقوله: لا يختلى خلاها، هذا خلاصة ما في شرح المختصر، وفيه كلام أوفى من هذا فخذه منه.
(١) وفي الحاشية السعدية: فرق لها النبي ÷ وبكى وقال: «لو حدثتني[١] قبل لعفوت عنه»، ثم قال: «لا يقتل قرشي بعد هذا صبراً».
(٢) وقد يقال: (لو كان تحريمه[٢] عنه) أي: عن اجتهاد (لم يكن كله) أي: كل الطعام مقولاً فيه كان (حلاً) لبني إسرائيل (قبله) أي: قبل اجتهاده المؤدي إلى التحريم (لأن الدليل) الذي يرتبه المجتهد إنما (يظهر الحكم) الثابت قبله (لا ينشئه) أي: الدليل لا يحدث الحكم (لقدمه) أي: الحكم؛ لأنه خطاب الله المنزه عن أن تكون صفاته حادثة، والحاصل أن القرآن دل على أن كل الطعام مما حرم إسرائيل وغيره قد كان حلاً قبل تحريمه، فلو كان تحريمه بطريق الاجتهاد لزم ألا يكون ما حرم حلاً قبل تحريمه، بل يكون حراماً لم تظهر حرمته إلا بعد اجتهاده؛ لأن الدليل مظهر لما كان ثابتاً. (تحرير وشرحه). وهذا مبني على قدم خطابه تعالى، والخلاف فيه مشهور.
(٣) أو نقول: يجوز أن يسند التحريم إلى نفسه على سبيل المجاز كما يقال للناذر: إنه قد أوجب على نفسه وإن كان الموجب في الحقيقة هو الله تعالى، والنذر سبب في الوجوب منه تعالى. (غاية الوصول).
[١] في حاشية السعد: لو جئتني.
[٢] في المطبوع: تحريم. والمثبت من التحرير وشرحه.