هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[التقليد]

صفحة 631 - الجزء 3

  منع بطلان اللازم، فقد ألزموهم، وليس المراد تحرير الأدلة والجواب عن الشبه، بل الدليل الجملي الذي يحصل بأيسر⁣(⁣١) نظر ويوجب الطمأنينة كاف، وكان ذلك منهم، كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان على اللطيف الخبير⁣(⁣٢)؟ ثم إن فطرهم قد جبلت على توحيد الصانع وقدمه⁣(⁣٣) وحدوث الموجودات وإن عجزوا عن التعبير عنه على اصطلاح المتكلمين، والعلم بالعبارة علم زائد لا يلزمهم.

  قالوا ثالثاً: لو وجب لما نهي عنه، والتالي باطل؛ فقد روي أنه ÷ نهى الصحابة لما رآهم يتكلمون في القدر، وقال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣[غافر: ٤]، والنظر يفضي إلى فتح باب الجدال، والمنهي عنه لا يكون واجباً.

  وأجيب بمنع كون النظر منهياً عنه، وما تضمنه الحديث محمول على أنه ÷ لما علم صحة اعتقادهم وحقية يقينهم بما تلقوه عنه وشاهدوه من المعجزات علم أن الجدال بعد ذلك لا يفيدهم شيئاً، بل ربما أورث شكاً، والآية محمولة على الجدال بالباطل؛ لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}⁣[النحل: ١٢٥]، وقد مر.


(قوله): «وكان ذلك منهم» أي: كان النظر حاصلاً منهم، وكان الصحابة يعلمون من العوام العلم بذلك.

(قوله): «وقد مر» يعني بيان معنى الآية في أول اعتراضات القياس.


(١) لكن لا يخفى أن الحاصل بأيسر النظر إنما هو الالتفات إلى سبب الضرورة، لكن لا يسمى مثل ذلك دليلاً، وإنما يسمى تنبيهاً، ثم هو يستلزم كون المعارف ضرورية، وهو خلاف المدعى، وأما النظر فإنما يحصل به العلم بعد تحرير الأدلة ودفع الشبه الواردة، فالقول بأن النظر لا يحتاج إلى تصحيح كلام فاسد. (شرح جلال).

(٢) (ومن أصغى) أي: أمال سامعته (إلى عوام الأسواق امتلأ سمعه من استدلالهم بالحوادث) على ما ذكر (والمقلد المفروض) أي: العامل⁣[⁣١] بقول الغير من غير حجة في الإيمان بأن يصدق بالله وصفاته بمجرد السماع من غير أن يخطر بباله ما يدل عليه من الآيات (لا يكاد يوجد، فإنه قل أن يسمع من لم ينتقل ذهنه قط من الحوادث إلى موجدها ولم يخطر له الموجود) أي: لم يخطر بباله الموجد عند مشاهدة الحوادث (أو خطر فشك فيه) أي: في وجوده. (تحرير وشرحه بحذف لطيف).

(٣) يؤخذ من هذا أن المعرفة الجملية ضرورية، وهي كافية في تحصيل الإيمان، فأما تحرير الأدلة فإنما هي للرد على الملحدين المعاندين فيكون فرض كفاية، وكلام أمير المؤمنين في وصيته لابنه الحسن في النهج وفي غيرها أيضاً وكلام الأئمة من ولده صريح في ذلك. (من خط العلامة الجنداري).


[١] في تيسير التحرير: القائل.