هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[التقليد]

صفحة 632 - الجزء 3

  (وكونه مظنة الوقوع في الشبه حاصل في المفتي فيتسلسل، وانتهاؤه إلى الوحي ينفي الوجوب) هذه شبهة القائلين بوجوب التقليد وجوابها، تقرير الشبهة: أن النظر مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف القرائح والأنظار، بخلاف التقليد، فكان واجباً.

  والجواب: أن ما ذكرتموه حاصل في المفتي، وهو الإمام المقلد؛ لأنه إن نظر فنظره مظنة الوقوع في الشبه والضلال أيضاً كما ذكرتم، فيكون تقليد المقلد له حينئذ أولى بأن يحرم؛ لأن فيه ما في الأول مع زيادة احتمال كذب المفتي وإضلاله مقلده، وإن قلد غيره انتقل الكلام إليه وتسلسل.

  فإن قيل: لا نسلم لزوم التسلسل؛ لاحتمال انتهائه إلى صاحب الوحي المؤيد من عند الله.

  قلنا: اتباع صاحب الوحي ليس تقليداً، بل علم نظري، فينتفي الوجوب، على أنه لا يمكن محض التقليد؛ لوجوب النظر في صدق كل مخبر.

  هذا في العقليات⁣(⁣١)، وأما الشرعيات فقد أشار إلى الخلاف بقوله:


(قوله): «فينتفي الوجوب» أي: وجوب التقليد وتحريم النظر.


(١) قال الأستاذ أبو إسحاق: وذهب كثير من كتبة الحديث إلى أن طلب الدليل فيما يتعلق بالتوحيد غير واجب، إنما الفرض هو الرجوع إلى قول الله ورسوله، ويرون الشروع في موجبات العقل كفراً، وأن الاستدلال والنظر ليس هو المقصود في نفسه، وإنما هو طريق إلى حصول العلم حتى يصير بحيث لا يتردد، فمن حصل له هذا الاعتقاد الذي لا شك فيه من غير دلالة فقد صار مؤمناً وزال عنه كلفة طلب الأدلة، ومن أحسن الله إليه وأنعم عليه بالاعتقاد الصافي من الشبه والشكوك فقد أنعم الله عليه بأكمل أنواع النعم وأجلها حيث لم يكله إلى النظر والاستدلال، لا سيما العوام فإن كثيراً منهم تجده في صيانة اعتقاده أكثر ممن يعتقد ذلك بالأدلة.