[أحكام القضايا]
  لم تعرف ماهيته، وكلما علم وجود السبب(١) علم وجود المسبب(٢)، وذلك كالحكم بأن السقمونيا(٣) مسهل.
  فإن قيل: هذا القياس إن حصل بالفكر كانت المجربات نظرية، أو بالحدس فحدسية، أو بمجرد تصور الطرفين من غير حدس ولا فكر فقضايا قياساتها معها.
  قلنا: بل حصل بوجه آخر غير تلك الوجوه، وهو تكرر المشاهدة من غير نظر ولا حدس وأدى إلى اليقين.
  وأما الحدْسيات(٤) فهي قضايا يحكم العقل بها بحدْس قوي(٥) من النفس يزول معه الشك ويحصل اليقين، كالحكم بأن نور القمر مستفاد من الشمس لما
(قوله): «من غير نظر ... إلخ» فإن النظر حركة النفس في المعقولات من المطالب إلى المبادئ ثم من المبادئ إلى المطالب، ففيه حركتان، والحدس كما يأتي إن شاء الله تعالى: سرعة الانتقال من المبادئ إلى المطالب[١] وليس تكرار المشاهدة شيئاً من ذلك.
(قوله): «بحدس قوي» لعل هذا القيد إشارة إلى ما في حواشي شرح المختصر من أن الحدس منه ما يكون كاملاً يفيد القطع وناقصاً يفيد الظن فقط.
(١) وهو الأثر الكامن في السقمونيا الذي يحصل به الإسهال علم وجود المسبب وهو الإسهال.
(٢) قطعاً. ويتميز عن الاستقراء بأن الاستقراء لا يقارن هذا القياس الخفي. (من شرح السعد على الرسالة).
(٣) بفتح السين والقاف والمد معروفة، قيل: يونانية، وقيل: سريانية. (مصباح).
(٤) الحدس سرعة الانتقال من المبادئ[٢] إلى المطالب، ويقابله الفكر، فإنه حركة الذهن نحو المبادئ ورجوعه عنها إلى المطالب، فلا بد فيه من حركتين، بخلاف الحدس؛ إذ لا حركة فيه أصلاً، والانتقال فيه ليس بحركة؛ فإن الحركة تدريجية الوجود والانتقال فيه إلى الوجود، وحقيقته أن تسنح المبادئ المرتبة في الذهن فيحصل المطلوب فيه. (قطب).
(*) عبارة شرح المواقف: ولا بد في الحدسيات من تكرار المشاهدة ومقارنة القياس الخفي كما في المجربات ثم قال: والفرق بينهما أن السبب في المجربات معلوم السببية مجهول الماهية؛ فلذلك كان القياس المقارن لها قياساً واحداً، وهو أنه لو لم يكن لعلة لم يكن دائماً ولا أكثرياً، وأن السبب في الحدسيات معلوم السببية والماهية معاً؛ فلذلك كان المقارن لها أقيسة مختلفة بحسب اختلاف العلل في ماهيتها.
(٥) لأن الحدس إذا كان ضعيفاً لم يفد الظن.
[١] لا يقال: الانتقال في الحدس حركة؛ لأنا نقول: الانتقال فيه دفعي، ولا شيء من الحركة بدفعي؛ لوجوب كون الحركة تدريجية. (ح).
[٢] قال الشريف عليه: فيه مساهلة في العبارة فإن السرعة من الأوصاف العارضة للحركة، ولا يوصف بها غيرها، وقد صرح بأن لا حركة في الحدس أصلاً فلا يكون هناك سرعة حقيقية، لكنه تسامح فجعل كون الانتقال دفعياً سرعة، والأمر هين. (شريف).