[أحكام القضايا]
  يُرى من اختلاف تشكلات نوره بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس، وذلك أنه يضيء دائماً بجانبه الذي يلي الشمس، فيحدس العقل(١) بأنه لو لم يكن نوره من الشمس لما كان كذلك(٢).
  وأما المتواترات(٣) فهي قضايا يحكم العقل بها بواسطة كثرة شهادة المخبرين بأمر ممكن مستند إلى الحس كثرة تمنع تواطؤهم على الكذب، واعتُبر الإمكانُ لأن الممتنع لا يحصل اليقين به وإن كثر نقل وقوعه، والإحساسُ لأن المعقولات يكثر فيها الاشتباه.
(قوله): «بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس قرباً وبعداً[١]» الحدس سرعة الانتقال من المبادئ إلى المطالب، وحقيقته أن تسنح المبادئ المرتبة للذهن فيحصل المطلوب والحدسيات والمجربات ليست حجة على الغير لجواز أن لا يحصل له الحدس والتجربة المفيدان للعلم.
ثم قال بعضهم[٢]: لا يقال: قد زعمت أن الست ضروريات، والحدسيات لا تدركها إلا أذهان الحذاق فضلاً عن أن تكون ضرورية، فيجب أن تكون نظرية لا ضرورية، ثم أجاب بأن النظر مفتقر إلى حركتين كما عرفت، والحدس اندفاع الذهن اندفاعاً سريعاً من المبادئ إلى المطالب ولا حركة فيه للنفس أصلاً، على أن مراتب الضرورة متفاوتة، ولهذا لا يجب أن يكون العلم الحاصل عن الحدسيات والتجربيات والمتواترات حجة على الغير توجب انقطاعه أو الحكم[٣] بعناده[٤] وإنما يجب تساوي الإدراك في الأوليات والفطريات والمشاهدات.
(قوله): «والإحساس» عطف على الإمكان، وسيأتي في باب الإخبار إن شاء الله تعالى بيان وجه هذا الاشتراط وبيان إفادة الخبر المحفوف بالقرائن والمصدق بالمعجز للعلم إن شاء الله تعالى.
(١) الحدس ذكره صاحب شمس العلوم وغيره في باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، وقيده صاحب الصحاح بالكسر.
(٢) أي: لما اختلف نوره بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس.
(٣) قال في شرح المواقف: ومن اعتبر في التواتر عدداً معيناً فقد أحال؛ فإن ذلك مما يختلف بحسب الوقائع، والضابط مبلغ يقع معه اليقين، فإذا حصل اليقين فقد تم العدد. ولا بد في المتواترات من تكرار وقياس خفي وأن تكون مستندة إلى المشاهدة، فيكون الحاصل من التواتر علماً جزئياً من شأنه أن يحصل بالإحساس؛ فلذلك لا يقع المعلوم بالذات كالمحسوسات.
[١] ليست هذه العبارة في الكتاب المحشى عليه، ولكنها عبارة القطب، فإنه قال: بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس قرباً وبعداً. (ح عن خط شيخه).
[٢] هو الجلال. (ح).
[٣] في شرح الطبري على إيساغوجي: والحكم.
[٤] لجواز أن لا يحصل له ما حصل لخصمه من العلم، وإنما يجب تساوي الإدراك في الأوليات والفطريات والمشاهدات. (شرح طبري على إيساغوجي ح).