هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [في الكلام في الوضع والواضع وطريق معرفة اللغات]

صفحة 315 - الجزء 1

  متأخرة عنه؛ لكنها سابقة بدلالة الآية الكريمة، فليست توقيفية⁣(⁣١).


= وبيانه: أن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}⁣[إبراهيم: ٤]، أي: بلغتهم دل على سبق اللغات للإرسال، ولو كان حصول اللغات للناس بالتوقيف لهم ولا يتصور التوقيف إلا بإرسال الرسل إليهم لسبق الإرسال اللغات، فيلزم الدور؛ لتقدم كل من الإرسال واللغات على الآخر.

قال السعد: لا حاجة إلى ذكر الدور في بطلان كونها توقيفية؛ إذ يكفي أن يقال: لو كانت توقيفية لم تكن سابقة على الإرسال، بل متأخرة عنه، واللازم باطل؛ لأنها سابقة بدلالة الآية. فالمؤلف # لم يتعرض للدور في تقريره اعتماداً منه على ما ذكره السعد، لكن يشكل حينئذ قول المؤلف #[⁣١]: فإن أجيب بأن الآية ... إلخ؛ لأن الجواب مفروض من قبل القائلين بالتوقيف، ففي قولهم: الآية تدل على سبق اللغات تسليم ما ذكرته البهشمية من قولهم في احتجاجهم: واللازم باطل؛ لأنها - أي: اللغات - سابقة بدلالة الآية، وفي قولهم: دون التوقيف والتعليم منافاة لمدعاهم، وهو القول بالتوقيف، وكذا يشكل قول المؤلف: وأجيب: بأنها لا تضاف إليهم إلا بعد توقيفهم ... إلخ؛ لأنه جواب من قبل البهشمية، وفيه تسليم كونها توقيفية، والمؤلف # أخذ هذا الجواب المشار إليه بقوله: فإن أجيب ... إلخ وجوابه من كلام السعد، =


(١) فإن قيل: هذا إنما يدل على أن ليس الواضع هو الله تعالى ومعرفة البشر له بالتوقيف، ولا يدل على أنه هو البشر كما هو مذهب البهشمية؛ لجواز أن يكون الواضع جنياً أو ملكاً، قلت: هذا مندفع بأنه لا قائل بالمذهب الآخر. (مير زاجان).


[١] الظاهر عدم توجه الإشكال على عبارة ابن الإمام؛ إذ إيراد هذا الجواب وجوابه كما ينبني على تقرير الاحتجاج بلزوم الدور ينبني أيضاً على تقريره ببيان الملازمة مع بطلان اللازم؛ إذ منشأ ذلك توهم القول بانحصار سببية التوقيف في الإرسال، وهو معتبر في كلا التقريرين، والمؤلف # وإن لم يصرح بالمقدمة الناطقة بذلك فعبارته حيث قال: إنها لو كانت توقيفية لم تكن سابقة على الإرسال تنادي عليها.

إذا عرفت هذا فقول المؤلف: فإن أجيب ... إلخ هو فرض جواب من جانب التوقيفية، ومحصله عدم دلالة الآية على سبق التوقيف حتى يتبين بطلان اللازم من القول به أو يتوجه الدور فلا يتم تقرير الاحتجاج بأي الطرفين.

وقوله: أجيب بأنها لا تضاف ... إلخ هو من جانب المحتجين على عدم التوقيف، ولا شك في اقتضاء الإضافة التوقيف، وحينئذ يتوجه النقض بأحد الطرفين، فوقع التخلص من جانب التوقيفية بأنه لا ينحصر في الإرسال.

إذا تقرر هذا فلا يتوجه الإشكال عليهم بتسليم ما ذكرته البهشمية في بيان بطلان اللازم حيث قالوا: لكنها - أي: اللغات - سابقة بدلالة الآية؛ إذ ليس في تسليم دلالة الآية على سبق اللغات دون التوقيف ما ينافي القول به خصوصاً مع ما آل إليه الكلام من القول بعدم انحصار سببه في الإرسال كما عرفته، وكذا لا يرد عليهم منافاة قولهم: دون التوقيف لمدعاهم⁣[⁣٠]؛ إذ المراد نفي دلالة الآية على سبق التوقيف لئلا يتم احتجاجهم لا نفي أصل التوقيف، وكذا لا يتوجه الإشكال على البهشمية بأنه يلزم من قولهم في الجواب عن الجواب: لا تضاف إليهم إلا بعد توقيفهم تسليم كونها توقيفية؛ إذ هو جواب إلزامي، وإذا أعطيت النظر حقه علمت صحة كلام ابن الإمام وعدم ورود الإشكالات، والله أعلم. (للقاضي أحمد بن صالح | ح).

[٠] الظاهر أن مراد سيلان في قوله: منافاة لمدعاهم أن الضمير يعود إلى البهشمية، وهو يظهر بالتأمل. (ح عن خط شيخه وقد شكل على قوله الظاهر).