هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [في الكلام في الوضع والواضع وطريق معرفة اللغات]

صفحة 328 - الجزء 1

  لمعنى معين من الممكنات، والعقل لا يستقل⁣(⁣١) بمعرفتها، بلى قد يحتاج إليه في إفادة النقل⁣(⁣٢) العلم بالوضع بحيث يكون ضميمة إليه، كما يروى أن الجمع المحلى باللام يدخله الاستثناء، وأن الاستثناء للإخراج، فيعلم من هاتين المقدمتين النقليتين مع ملاحظة مقدمة عقلية - وهي أن كل ما دخله الاستثناء يجب أن يعم المستثنى - أن الجمع المحلى باللام موضوع للعموم⁣(⁣٣).


= قالوا: إذ صدق المخبر لا بد منه في حصول العلم بالنقل، وأنه عقلي لا يعرف بالنقل؛ لاستلزامه الدور أو التسلسل، والمؤلف # جعل المراد بالبحث في هذا المقام بيان أن العقل لا يستقل بمعرفة الوضع، يعني بل لا بد من ضميمة النقل، وهذا عكس ما ذكروه، وليس هو المراد في هذا المقام أيضاً، وقد رجع المؤلف # إلى ما ذكروه بقوله: بلى قد يحتاج إلى العقل في إفادة النقل العلم بالوضع بحيث يكون ضميمة إلى النقل، فإن كلام المؤلف مشعر بأن المراد عدم استقلال النقل كما ذكروه، وبما ذكرنا ظهر أن قوله: «بلى قد يحتاج إلخ» وإن استقام معناه بالنظر إليه لكنه إيجاب لما لم يتقدم ذكره؛ لأن الذي تقدم ذكره هو قوله: والعقل لا يستقل بمعرفتها، فمقتضى إيجابه أن يقال: بلى قد يستقل العقل، وهو غير صحيح المعنى، وليس هو المراد أيضاً.

ويمكن أن يقال في توجيه كلام المؤلف: إن قوله في المتن: «لا العقل مستقلاً» دفع لما يقال: ظاهر العبارة يقتضي الحصر في النقل بالتواتر والآحاد.

ووجه الدفع أنها وإن اقتضت الحصر فلم يرد بالحصر نفي دلالة العقل رأساً، بل نفي استقلاله، لكن هذا التوجيه وإن استقام به الكلام لم يندفع به عدم استقامة الإيجاب ببلى كما عرفت، فكان الأولى أن يقال: وإنما يحتاج إليه ... إلخ فتأمل والله أعلم.

وعبارة شرح المختصر: واعلم أن النقل قد يحتاج في إفادته العلم بالوضع إلى ضميمة عقلية كما يروى ... إلخ؛ إذ لا يراد بالنقل أن يكون مستقلاً بالدلالة على الوضع من غير مدخل للعقل فيه لاستحالة ذلك كما عرفت، وهي واضحة في تأدية المقصود، ولو قال المؤلف: وطريق معرفتها التواتر والآحاد ولو مع ضميمة العقل لوافق ما ذكروه، والله أعلم.

(قوله): «والعقل لا يستقل بمعرفتها» أي: الممكنات من حيث هي ممكنات، فإن العقل إذا لاحظ الممكن من حيث هو كذلك مع قطع النظر عن غيره تردد في وجوده وعدمه لاستوائهما بالقياس إلى ذاته، فلا بد من انضمام أمر آخر إليه ليجزم بأحد طرفيه، ولا يتصور في وضع الألفاظ إلا النقل.

(قوله): «فيعلم من هاتين المقدمتين» فاعل يعلم أن الجمع المحلى ... إلخ =


(١) لأن العقل إنما يستقل بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وأما وقوع أحد الجائزين فلا يهتدي إليه، واللغات من هذا القبيل؛ لأنها متوقفة على الوضع. (أسنوي).

(٢) من إضافة المصدر إلى الفاعل، أي: محتاج إلى العقل في أن يفيد النقل العلم بالوضع.

(٣) وهذا لا يخرج من القسمين؛ إذ لا يرد بالنقل أن يكون النقل مستقلاً بالدلالة من غير مدخل للعقل فيه؛ إذ صدق المخبر لا بد منه، وأنه عقلي. (عضد).