هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [في الاشتقاق]

صفحة 401 - الجزء 1


= وأما عدم لزوم القدم فليس ذلك لمجرد كونه اعتبارياً، بل لا بد من الاستدلال على حدوثه، وقد أشار إليه في شرح المختصر، قال: ولولا حدوثه لم تكن الأشياء حادثة، بل قديمة.

قال في الجواهر: لأن هذا التعلق إن كان قديماً يلزم قدم العالم؛ لأن الذات الإلهية قديمة، والقدرة أيضاً قديمة، والمفروض أن صدور العالم لم يتوقف إلا على ذلك التعلق، فلو كان ذلك التعلق أيضاً قديماً يلزم قدم العالم، وإلا لزم تخلف المعلول عن علته الموجبة وهو محال.

واعلم أن صاحب الجواهر اعترض ما ذكروه من أن الاعتباري على تقدير حدوثه غير محتاج إلى علة موجدة ومن أن التسلسل جائز في الاعتباري مطلقاً حيث قال: هذا الاعتباري - وهو التعلق - على تقدير حدوثه لا يخلو إما أن يكون حادثاً بنفسه أو محتاجاً في حدوثه إلى علة أحدثته، والأول محال، وإلا لزم حدوث الشيء بنفسه، وأنه محال، ولزم أن لا يكون الحدوث علة الاحتياج إلى المؤثر، وقد ثبت خلافه في الكلام، ولأن هذا التعلق لو لم يستند إلى القدرة الإلهية لم يلزم استناد الحوادث إلى القدرة الإلهية، وذلك باطل اتفاقاً، فيمتنع أن يكون هذا التعلق حادثاً بنفسه. والثاني وهو أن يكون محتاجاً في حدوثه إلى علة أحدثته أيضاً محال، وإلا لزم التسلسل في هذه التعلقات الاعتبارية، وأنه محال في هذا المقام خصوصاً؛ وذلك لأن التسلسل في الأمور الاعتبارية وإن كان جائزاً لجواز انقطاعه بانقطاع الاعتبار في الجملة لكنه ممتنع في هذه التعلقات الاعتبارية الحادثة بخصوصها في هذا المقام قطعاً؛ لأن حدوث الحوادث الحقيقية متوقف على حدوث هذه التعلقات الاعتبارية الحادثة قطعاً، وإلا لزم قدم العالم، وأنه محال، فلو جاز انقطاع هذه التعلقات الاعتبارية الحادثة يلزم جواز انقطاع حدوث الحوادث الحقيقية، وأنه محال قطعاً، فعلم أن التسلسل في مثل هذه الأمور الاعتبارية التي يتوقف على حدوثها حدوث الحوادث الحقيقية ممتنع قطعاً.

واعلم أن المؤلف # قرر كلام الأشاعرة في الجواب عن حجة المعتزلة، وفيه ما قد عرفت من المنقول عن الجواهر. ثم إن صاحب الجواهر أورد في هذا المقام كلاماً سلك فيه محجة الإنصاف ينبغي إيراد حاصله، وذلك أنه اختار أن الأمور الاعتبارية لكونها موجودات ذهنية محتاجة إلى علل ذهنية منتهية إلى علل خارجية قطعاً، وذكر أن الفعل وهو المصدر قد يطلق على الإيقاع وهو التأثير وقد يطلق على الأثر الحاصل بذلك الإيقاع، وأن الفعل بالمعنى الأول اعتباري لا بالمعنى الثاني، ثم ذكر أن النزاع إن كان في الفعل بالمعنى الأول فالحق ما ذهب إليه الأشاعرة؛ لعدم دلالة أدلة المعتزلة على جواز قيام التأثير بغير المؤثر، بل لا تدل إلا على جواز قيام الفعل الحقيقي الذي هو الأثر بغير الفاعل، لكن غرض الأشاعرة لا يحصل باستدلالهم على أن الفعل الاعتباري لا يقوم إلا بالفاعل لعدم جريه في مثل متكلم باعتبار الكلام النفسي. وإن كان النزاع في الفعل بالمعنى الثاني الحقيقي الذي هو الأثر فالظاهر ما ذهب إليه المعتزلة من جواز قيامه بغير الفاعل، والأجوبة التي ذكرتها الأشاعرة لا تدل إلا على عدم جواز قيام الأفعال الاعتبارية بغير الفاعل، ثم رجح كون النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة إنما هو في الأفعال الحقيقية التي هي الآثار المبتني عليه مسالة المتكلم باعتبار الكلام هل هو قائم بالفاعل أو لا، لا في الأمور الاعتبارية التي هي التأثيرات. قال: وما ذكرته الأشاعرة على تقدير تسليمه لا يدل إلا على عدم جواز قيام التأثيرات بذات الفاعل⁣[⁣١] فلا يحصل الغرض الذي وضعت هذه المسألة لأجله، فما ذكروه في هذه المسألة ليس واقعاً في محل النزاع⁣[⁣٢]، هذا ملخص ما ذكره.


[١] ظنن في بعض النسخ بغير ذات الفاعل. اهـ وعبارة الجواهر والأجوبة المذكورة لا تدل إلا على عدم جواز قيام الأفعال التي هي التأثيرات بغير الفاعل. اهـ ح

[٢] وفي نسخة: ليس دافعاً.