هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [في الترادف]

صفحة 405 - الجزء 1

  أحدهما للقافية والفاصلة دون الآخر، وغير ذلك.

  وإن سلم انحصار الفائدة في الإفهام فلا نسلم كفاية واحد فيه؛ لجواز أن يضع أحد الفريقين أحد الاسمين والآخر الآخر من غير شعور كل⁣(⁣١) بوضع


(قوله): «إذ قد يصلح أحدهما للقافية» هذه العبارة أحسن من قول ابن الحاجب: للروي؛ لأن الروي هو الحرف الأخير من القافية، وأما القافية فهي على ما ذكره الخليل واختاره صاحب المفتاح من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن قبله مع الحركة التي قبل الساكن، ومعلوم أن أحد المترادفين لا يصلح أن يكون روياً بل قافية، ولم يذكر في شرح المختصر كيفية تيسير النثر بالمترادف، ووجهه على ما ذكره في الجواهر أن النثر يعلم حاله بالقياس إلى النظم.

وأما المؤلف # فصرح به حيث قال: والفاصلة، قال الشريف: لأن الأسجاع في النثر بمنزلة القوافي، فربما صلح أحدهما لذلك دون الآخر، وأيضاً فإن أحسن السجع ما تساوت قرائنه، وقد يحصل ذلك بأحدهما فقط.

واعلم أن المؤلف لم يصرح ببقية فوائد المترادف من المطابقة والتجنيس كما فعل ابن الحاجب، بل أشار إليهما إشارة إجمالية بقوله: وغير ذلك، وذلك لاحتياجهما إلى زيادة بسط ودفع إشكال، أما المطابقة فإن الشارح العلامة في شرح مختصر المنتهى اعترض بأن الترادف لا مدخل له في تيسير المطابقة أصلاً؛ لأن المطابقة هي الجمع بين معنيين متقابلين، فاحتيج إلى دفع اعتراضه بزيادة بيان ذكره في شرح المختصر، وهو أن معنى تيسير الترادف للمطابقة حصولها بأحد المترادفين دون الآخر، وذلك ممكن إذا كان أحدهما موضوعاً بالاشتراك لمعنى آخر غير ما ترادفا عليه يحصل باعتبار ذلك المعنى الآخر المطابقة دون صاحبه، كالخيار فإنه مرادف القثاء، وقد وضع بالاشتراك لمعنى آخر، وهو خلاف الأشرار، فقد حصل باعتبار ذلك المعنى الآخر التقابل دون صاحبه، وهو القثاء.

ومثال ذلك ما قال رسول سلطان مصر لرسول خليفة بغداد: خسنا خير من خسكم، وأراد بالخس البقل، فقال البغدادي: خسنا خير من خياركم، فوقع التقابل بين الخس والخيار بوجه، وهو أن يراد بالخس الخسيس وبالخيار خلاف الأشرار، ولو قال: خسنا خير من قثائكم لم تحصل المطابقة أصلاً.

وأما التجنيس فبيان حصوله بالمترادف أن يوافق أحدهما غيره في الحروف دون صاحبه، نحو رحبة⁣[⁣١] المسجد، فرحبة مرادف لواسعة وقد حصل بها التجنيس دون واسعة. وقد اعترض الشريف والسعد على ما ذكره العضد بما حاصله: أن المطابقة إنما حصلت من اشتراك كل من الخس والخيار بين معنيين وهما البقل والخسيس والجيد والقثاء وإن لم يوجد لفظ القثاء، فلا أثر لكونه مرادفاً للفظ القثاء، فإنا لو فرضنا أن القثاء لم يوضع لمعناه لم يضر في المطابقة أصلاً، وكذا التجنيس إنما حصل من اشتراك لفظ الرحبة بين الواسعة والفناء ولا مدخل للترادف.

وغاية ما يمكن أن يقال: إنه إذا فرض وضع القثاء لمعناه مقدماً على وضع الخيار وكذا لفظ الواسعة مقدماً على وضع الرحبة كان لوضع الخيار ووضع الرحبة بعد وضع لفظ القثاء ولفظ الواسعة دخل في حصول التقابل، وبهذا يتم المطلوب؛ إذ يكفي سنداً للمنع، ولا يقدح فيه أنه لو عكس هذا الفرض لم يكن لوضع القثاء والرحبة أثر في ذلك، فتأمل، والله أعلم.


(١) في المطبوع: كل منهما.


[١] رحبة المسجد بالتحريك: ساحته. (صحاح). وفيه أيضاً: الرحب بالفتح: الواسع، نقول منه: بلد رحب وأرض رحبة.