هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 438 - الجزء 1

  (وكل) واحد (منهما) أي: من الحقيقة والمجاز ينقسم إلى أربعة أقسام: (لغوي وشرعي وعرفي خاص) يتعين ناقله عن المعنى اللغوي، وخص بغير الشارع (أو) عرفي (عام) لا يتعين ناقله.

  أما الحقيقة فلأن واضعها إن كان واضع اللغة فهي لغوية كأسد للسبع، وإن كان الشارع فشرعية⁣(⁣١) كالصلاة المنقولة من الدعاء إلى العبادة المخصوصة، وإلا فعرفية عامة كدابة فإنها لما يدب كالإنسان فخصصها العرف العام بذوات الأربع وهجر المعنى الأول، ولا تستعمل فيه لكل ما يدب إلا بقرينة، أو عرفية خاصة كمصطلحات أهل كل علم وأهل كل صناعة.

  وأما المجاز فلأن اللفظ إن كان مستعملاً في غير ما وضع له لغة فهو لغوي كأسد للرجل الشجاع، أو شرعاً فهو شرعي كالصلاة في الدعاء، أو في العرف العام كالدابة لكل ما يدب فهو عرفي عام⁣(⁣٢)، أو في العرف الخاص فهو عرفي خاص، كمصطلحات أهل الصناعات والعلوم إذا استعملوا شيئاً منها فيما يناسب معناه عندهم.


(قوله): «وخص بغير الشارع» يعني أن المتعين ناقله خص بغير الشارع تشريفاً لما وضعه الشارع بإخراجه عن العرفي الخاص.


(١) وهي اللفظة التي استفيد من الشرع⁣[⁣١] وضعها، كالصلاة للأفعال المخصوصة، والزكاة للقدر المخرج، قال في المحصول: سواء كان اللفظ والمعنى مجهولين عند أهل اللغة كأوائل السور عند من يجعلها أسماء، أو كانا معلومين لهم لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى، كلفظ الرحمن لله تعالى، [فإن كلاً منهما كان معلوماً لهم ولم يضعوا اللفظ لله تعالى]⁣[⁣٢] ولذلك قالوا حين نزل قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}⁣[الإسراء: ١١٠]، إنا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، أو كان أحدهما مجهولاً والآخر معلوماً كالصوم والصلاة. (أسنوي).

(٢) أي: فإنها في العرف مجاز، أي: إذا استعملها المخاطب بالعرف في كل ما يدب كانت مجازاً عنده.

فائدة: مجاز المجاز هو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فيتجوز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما، كقوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}⁣[البقرة: ٢٣٥]، فإنه مجاز عن مجاز؛ لأن الوطء تجوز عنه بالسر؛ لأنه لا يقع غالباً إلا في السر، وتجوز به عن العقد؛ لأنه مسبب عنه، والمصحح للمجاز الأول الملازمة، والثاني السببية، والمعنى: لا تواعدوهن عقد النكاح. (من بعض الحواشي). قلت: وقد ذكره جار الله أيضاً في سورة الصافات في قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ٢٨}.


[١] في نهاية السؤل للأسنوي: الشارع.

[٢] ما بين المعقوفين من نهاية السؤل للأسنوي.