[وقوع الحقيقة اللغوية والعرفية]
  احتج الجمهور بقوله: (لتبادر الشرعي من إطلاق الصلاة والزكاة والصوم والحج) يعني أنه يسبق من هذه الألفاظ إلى الفهم عند إطلاقها معانيها الشرعية التي هي الركعات المخصوصة بما فيها من الأقوال والهيئات وأداء مال مخصوص وإمساك مخصوص وقصد مخصوص على أوجه مخصوصة، بعد أن كانت للدعاء والنماء والإمساك والقصد المطلقين، وذلك علامة الحقيقة.
  وأورد عليه أنه لا يلزم من سبق المعاني الشرعية عند الإطلاق ثبوت الحقائق الشرعية؛ لجواز صيرورتها بالغلبة حقائق عرفية خاصة - أي: في عرف أهل الشرع - وإن لم تكن حقائق شرعية، أي: بوضع الشارع(١).
  وقد يجاب: بأنه لا ريب في أن هذه المعاني المخصوصة لا يعرفها أهل اللغة،
(قوله): «وأورد عليه أنه لا يلزم من سبق المعاني ... إلخ» يعني أن دعوى كونها أسماء لمعانيها الشرعية حيث تسبق معانيها منها[١] إلى الفهم عند إطلاقها إن كانت بالقياس إلى إطلاق الشارع فهذه الدعوى ممنوعة، وإن كانت بالنسبة إلى إطلاق المتشرعة فاللازم حينئذ كونها حقائق عرفية لهم لا حقائق شرعية، وفرق بين الحقيقة الشرعية للشارع والحقيقة العرفية؛ فإن العرفية استعملها أولاً مجازاً بمعونة القرائن ثم غلبت في معانيها بعد ذلك في لسان المتشرعة، بخلاف الحقيقة الشرعية للشارع، فكأن المستدل لم يفرق بينهما، وهذا الإيراد لم يجب عنه في شرح المختصر وحواشيه.
وأما المؤلف # فأجاب بإثبات المدعى الذي منعه المورد، وهو كونها حقائق شرعية، واستدل لذلك بتبادر معانيها المخصوصة من كلام الشارع حيث قال: ولأجله تبادرت ... إلخ.
وقدم قبل ذلك مقدمتين أشار إلى أنهما قطعيتان[٢] ليدعي عناد منكرهما ليتم المطلوب، الأولى منهما قوله: لا ريب ... إلخ، والثانية قوله: وأن الشارع ... إلخ، ثم قال: ولأجله تبادرت ... إلخ، فيثبت كونها حقائق شرعية. وأنت خبير بأن المقدمة الأولى إنما يندفع بها كونها حقائق لغوية، ولم يذكر ذلك في الإيراد، إنما ذكر فيه جواز كونها حقائق عرفية، إلا أن المؤلف # أوردها دفعاً لكونها حقائق لغوية زيادة على المحتاج إليه في دفع الإيراد استيفاء لما يرد[٣] على المدعى، فقوله في المقدمة الثانية: ولم يكن إلا بهذه الأسماء ... إلخ يندفع به كونها حقائق عرفية؛ لما عرفت من توقفها في أول استعمالها على القرائن.
(١) وتعيينه بلا قرينة إذ لا دليل على ذلك. (سعد وغيره).
[١] وضع الظاهر موضع المضمر. (ح).
[٢] بقوله: لا ريب ... إلخ.
[٣] كما يفهم من القول الثاني كما تقدم في كلام المحشي سابقاً في آخر قوله: وقد صارت حقائق ... إلخ. (ح عن خط شيخه).