فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  (بالاستقراء) أي: تتبع أحوال أئمة الأدب وتفاصيل نظمهم ونثرهم، فإن من استقرأ علم أنهم لا يتوقفون بل يتفقون على أن اختراع استعارات غريبة بديعة لم تسمع بأعيانها عن أهل اللغة أحد طرق اللغة وشعبها التي ترفع طبقة الكلام.
  احتج المعتبرون لنقل الآحاد في جواز التجوز بأن عدمه يستلزم القياس أو الاختراع، وهما باطلان، أما لزوم أحدهما فلأن التجوز بلا نقل إثبات ما لم يصرح به من إطلاق اللفظ على المعنى المجازي، فإن كان بجامع مشترك بين المعنى المجازي الذي لم يصرح باستعمال اللفظ فيه وبين معنى مجازي صرح بإطلاق اللفظ عليه فهو القياس.
  وإن لم يكن بجامع فهو الاختراع للغة ولم يكن تكلماً بلغة العرب، وأما بطلانهما فالقياس قد تقدم(١)، والاختراع ظاهر.
  (و) الجواب: أن ما ذكرتموه وهو (استلزام عدم نقلها) أي: الآحاد (القياس أو الاختراع مدفوع بما علم بالاستقراء من تجويز الواضع إطلاقه على كل ما وجدت فيه العلاقة) من المعاني.
  وحاصل الجواب: منع لزوم أحدهما لوجود قسم ثالث، وهو أن ينص الواضع نصاً كلياً على جواز إطلاق اسم الحقيقة على كل ما بينه وبينها علاقة مخصوصة، ولا يخرج الاسم بذلك الإطلاق(٢) عن لغتهم، وإلا خرج رفع الفاعل ونصب المفعول عن لغتهم وكان قياساً أو اختراعاً.
  وتحقيقه: أن الواضع عين اللفظ ثانياً بإزاء المعنى المجازي تعييناً كلياً(٣)، بمعنى أنه جوَّز إطلاقه على كل ما يكون بينه وبين المعنى الحقيقي نوع من
(قوله): «عين اللفظ ثانياً» لم يذكر السعد لفظ ثانياً.
(١) في قوله: ولا القياس؛ لأنه إثبات بالمحتمل وأنه غير جائز.
(٢) أي: الذي أطلقه المستعمل الآخر. اهـ ولا يكون قياساً.
(٣) فيه دليل على أن المجاز موضوع وضعاً كلياً. (من خط سيلان).