فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  المجازي لا يمكن نفيه، ونفي بعض المعاني الحقيقية لا يفيد؛ لجواز نفي بعضها دون بعض. (وهو) أي: العلم بكونه ليس معنى من معانيه الحقيقية (يتوقف على العلم بمجازيته(١)) أي: مجازية المعنى المستعمل فيه اللفظ؛ إذ لو لم تعلم مجازيته لجاز أن يكون من المعاني الحقيقية فلا يحصل العلم بأنه ليس شيئاً منها فلا يصح نفيه(٢)، فإثبات المجاز به دور، ووروده على علامة الحقيقة أظهر.
  (وأجيب: بأن غايته الاستلزام دون التوقف) يعني أن العلم بكونه ليس شيئاً من المعاني الحقيقية لا يتوقف على العلم بكونه مجازاً فيه؛ للقطع بأنه يصح العلم بأن الإنسان ليس شيئاً من المعاني الحقيقية للأسد وإن لم يعلم استعماله فيه فضلاً عن أن يكون مجازاً، غايته أن العلم بأنه ليس شيئاً من المعاني الحقيقية يستلزم العلم بكونه مجازاً فيه، لكن الاستلزام بين الشيئين لا يوجب توقف أحدهما على الآخر كما في المتلازمين معاً، مثل كون هذا ابناً لذاك يستلزم كون ذاك أباً لهذا، وبالعكس(٣)،
(قوله): «لا يمكن نفيه» أي: المعنى المجازي؛ لأنه يؤدي إلى سلب الشيء عن نفسه كما لو قيل مع استعمال الحمار للبليد: ليس بحمار، أي: بليد، بل المراد سلب ما هو معناه حقيقة.
(قوله): «ونفي بعض المعاني الحقيقية لا يفيد لجواز نفي بعضها ... إلخ» كما في المشترك فإنه يصح مثلاً سلب بعض معانيه الحقيقية عن المعنى الآخر مع أنه حقيقة فيقال مثلاً للقرء الذي هو الحيض ليس بقرء أي طهر.
(قوله): «لجاز أن يكون» أي: هذا المعنى المجازي.
(قوله): «دور» فإن العلم بصحة النفي يتوقف على العلم بكونه ليس شيئاً من المعاني الحقيقية، وهو على العلم بكونه مجازاً، فهو دور بمرتبتين. إذا عرفت هذا ظهر كون وروده على الحقيقة أظهر؛ لكون الدور في الحقيقة بمرتبة واحدة؛ فإن عدم صحة النفي في نفس الأمر إنما يعلم إذا علم أن اللفظ فيه حقيقة وأنه بعض معانيه الحقيقية، هكذا ذكره السعد.
(قوله): «وإن يعلم استعماله فيه» أي: في المعنى المجازي للفظ.
(قوله): «غايته أن العلم إلى قوله: يستلزم العلم بكونه مجازاً فيه» هكذا في الجواهر، وقد ينازع في هذا الاستلزام[١]؛ لجواز كونه كناية بناء على أنها واسطة كما هو الحق، فكلامه مبني على نفي كونها واسطة.
(قوله): «يستلزم كون ذاك أبا لهذا» أي: الابن.
(قوله): «وبالعكس» هكذا في الجواهر، ومعناه كون هذا أباً لذاك مستلزم كون ذاك ابناً لهذا، أي: الأب، وقد توهم بعضهم أن المراد بالعكس عكس قولنا: ذاك أب لهذا فقط فاعترض بأن مقتضى العكس كون هذا أباً لذاك، وبما ذكرنا في تفسير العكس يندفع هذا الوهم.
(١) بناء على أن الكناية ليست بواسطة بينهما.
(٢) أي نفي المعنى المجازي، وقوله: فإثبات المجازية في نسخة: فإثبات المجازية به.
(٣) أما من حيث الاتصاف بذلك المعنى فلا يخفى التوقف، وكأن مراده من حيث تعقل ذاتيهما.
[١] قد عرفت أن الكناية يجوز فيها إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي، وقول المؤلف #: غايته أن العلم بأنه ليس شيئاً من المعاني الحقيقية يأبى الواسطة التي حصل النزاع بها فحصل الاستلزام للمجاز لا غير فتأمل. (ح عن خط شيخه).