هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 483 - الجزء 1

  مع أن أحدهما لا يتوقف على الآخر فلا يلزم الدور المذكور.

  (وإن سلم) حصول التوقف بما ذكر (فسلب البعض كاف⁣(⁣١) فيعلم


(قوله): «مع أن أحدهما لا يتوقف على الآخر» إذ هذا دور معية لا تقدم فيكون جائزاً كما في اللبنتين المتساندتين. واعلم أن جواب المؤلف # المذكور هو حاصل ما اعترض به السعد على لزوم الدور المذكور، وقد أجاب عنه في الجواهر وحاشية الشريف بجواب أوردناه في حاشية على الحاشية. قلت: وحاصل هذا الوجه الآخر أنا وإن قلنا: إن غايته الاستلزام وأن ذاك كما في المتلازمين لكن يلزم دور المعية، وهو وإن لم يمتنع في الخارجيات كما في اللبنتين المتساندتين فهو ممتنع هاهنا، أعني في العلامة المفيدة للعلم كما في صحة النفي، فإنها علامة مفيدة للعلم بكون اللفظ مجازاً، فيمتنع الاستدلال بها عليه مع المعية الذاتية حيث قال ما لفظه: بيان الدور يتوقف على اعتبار واسطة أخرى، هي العلم بأنه ليس شيئاً من المعاني الحقيقية، وهو مقدم زماناً على العلم بصحة السلب؛ لأنه دليله أيضاً، ثم العلم بكونه ليس⁣[⁣١] شيئاً منها إذا كان مع العلم بكونه مجازاً كان العلم بكونه مجازاً مقدماً على العلم بصحة السلب زماناً؛ لأن ما هو مع المقدم زماناً متقدم زماناً، ولو فرض أن العلم بصحة السلب مع العلم بكونه ليس شيئاً منها ومع العلم بكونه مجازاً كان الدور - وهو تقدم الشيء على نفسه زماناً - لازماً، فلا ينبغي في هذا المقام الاعتراض بأنه لا توقف هناك بل استلزام فتأمل. انتهى. قلت: فقوله: فلا ينبغي ... إلخ إشارة إلى رد اعتراض العلامة السعد من أن غايته الاستلزام دون التوقف.


(١) يعني أن العلم بأن الرجل البليد مثلاً ليس بعض المعاني الذي يطلق لفظ الحمار عليه حقيقة لا يتوقف على تقدم العلم بكون لفظ الحمار مجازاً فيه؛ لأنا نجوز أن الرجل البليد بعضاً آخر مما يطلق عليه لفظ الحمار حقيقة غير الحيوان الناهق ونجوز أن لا يكون بعضاً آخر يطلق عليه لفظ الحمار حقيقة فيكون مجازاً، ويرجع فيه إلى ترجيح كونه مجازاً فيه على كونه حقيقة؛ لأن المجاز أرجح من الاشتراك عند التعارض، وحينئذ فيكون سلب بعض المعاني الحقيقية كافياً في معرفة المجازية في غير ما علم أنه معناه حقيقة، بخلاف ما إذا قلنا: إنه إنما يعرف كونه مجازاً بسلب المعاني الحقيقية فإنه لا يمكن بدون العلم بأن اللفظ ليس بموضوع له أصلاً، وحينئذ فيلزم الدور؛ لتوقف سلب كل المعاني الحقيقية عنه على كونه مجازاً، وكونه مجازاً على صحة سلب كل المعاني، وهو ظاهر، وهذا لا يجري في الحقيقة؛ لأنا لو قلنا: إنه يعرف كون لفظ الحمار مثلاً حقيقة في الحيوان الناهق بعدم صحة سلب بعض المعاني الحقيقية عن المعنى المفروض أنه فيه حقيقة لم يصح، مثلاً عدم صحة سلب لفظ الحمار عن فرد من أفراد الحيوان الناهق معيناً إنما يتحقق إذا علم أن ذلك الفرد بعض من أفراد الحيوان الناهق ليكون داخلاً فيما يطلق عليه الحمار مثلاً حقيقة، وإن لم يعلم أنه فرد من أفراد ما يطلق عليه حقيقة صح سلب جميعها أي المعاني الحقيقية عنه فلا يكون مما يعلم عدم صحة سلب المعنى الحقيقي عنه. (من خط سيدنا العلامة الحسن بن محمد المغربي |).


[١] فمن حيث إنه أي: العلم بأنه ليس شيئاً من المعاني دليل لصحة النفي الذي هو العلم بالمجازية حقه التقدم، ومن حيث إنه مصاحب لمدلول صحة النفي الذي هو العلم بالمجازية حقه التأخر فتأمل. (ح عن خط شيخه).