هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 487 - الجزء 1

  كما هو قول بعض أئمتنا والشافعي أو لا (إن كان للجميع فظاهر) عدم وروده؛ لعدم تحقق علامة الحقيقة التي هي عدم تبادر الغير، ووجود علامة المجاز التي هي تبادره؛ لأنه قد ثبت ظهور الجميع بما سبق، وكل ظاهر متبادر.

  (وإلا) يكن كذلك فلا يرد أيضاً؛ لأنا نعلم أنه يتبادر إما هذا المعنى وإما ذاك المعنى، وكل واحد منهما مغاير للمعنى المجازي، فنحن نجزم بتبادر معنى مغاير للمعنى المجازي وإن لم نعلمه بخصوصه، فيصدق عليه أنه (تبادر)


(قوله): «إن كان للجميع فظاهر» هذا حاصل ما أجاب به الآمدي عن الإيراد، قيل: وفي قوله: فظاهر تورية بديعة، أي: فهو ظاهر فيه، والمعنى الآخر إما في قوله: لعدم تحقق علامة الحقيقة يعني تحققها في المجاز.

(قوله): «لأنا نعلم أنه يتبادر إما هذا المعنى وإما ذلك» يعني أنه يتبادر واحد على جهة التعيين لا على الأحد المبهم الدائر بين المعنيين فإنه يرد على ما يأتي.

وبيان ذلك: أن ابن الحاجب أجاب بأنا لا نسلم أنه لا يتبادر غير المعنى المجازي، بل يتبادر أحد معنيي المشترك لا على التعيين، أعني الأحد المبهم الدائر بينهما، فورد عليه أنه لو صح ذلك لزم أن يكون المشترك المستعمل في المعنى المعين مجازاً؛ لأنه يصدق حينئذ أنه يتبادر غيره وهو الأحد المبهم، وذلك باطل، ولزم أن يكون المشترك متواطئاً أي مشتركاً معنوياً لا لفظياً؛ لكون اللفظ المشترك حينئذ موضوعاً للقدر المشترك، وهو مفهوم الأحد المبهم.

فلأجل هذا عدل المؤلف # كما في شرح المختصر عن جواب ابن الحاجب المذكور، وأشار إلى إصلاح الجواب بأن ليس المراد بتبادر غير المجاز عند الإطلاق تبادر الغير الذي هو الأحد الدائر المبهم، بل المراد تبادر الغير الذي هو أحد المعنيين بعينه على أنه المراد وإن لم يعلم بالتعيين، فإنا نعلم قطعاً أن المراد أحدهما بعينه؛ إذ اللفظ بحسب الوضع يصلح لكل واحد من المعنيين بخصوصه وأنه مستعمل في خصوصية واحد منهما لكنا لا نعلمه، فنحن نجزم بأن المراد إما هذا المعنى المعين أو ذاك المعنى المعين، وهذا هو المراد من تبادر غير المعين، وكل منهما مغاير للمعنى المجازي ... إلى آخر ما ذكره المؤلف #.

ولو قال المؤلف #: لأنا نعلم أنه يتبادر إما هذا المعين وإما ذاك المعين على أنه مراد بزيادة هذا القيد كما في شرح المختصر ليندفع ما يقال: كما أنه يتبادر أحد المعنيين بخصوصه وإن كان على جهة الإجمال كذلك يتبادر الأحد المبهم أعني الأحد الدائر أيضاً، وإذا تبادر لزم كون اللفظ متواطئاً أو مجازاً في المعين، وهو باطل.

وبيان اندفاعه: أن الأحد المبهم إنما يتبادر على جهة الخطور بالبال عند سماع اللفظ على أنه مراد، ولا بد في كون اللفظ حقيقة في معنى من أن يتبادر ذلك المعنى من اللفظ على أنه مراد كما في أحد المعنيين بعينه فإنه يتبادر من اللفظ على أنه مراد، بخلاف الأحد المبهم فإن من أطلق لفظ قرء مثلاً لا يتبادر منه أنه أراد من هذا اللفظ أحد المعنيين مبهماً، وذلك ظاهر، بل يتبادر أنه أراد أحدهما معيناً وإن كنا لا نعلمه بخصوصه، فلا يكون اللفظ المشترك حينئذ حقيقة في الأحد المبهم ولا متواطئاً.

هذا توضيح ما قصده المؤلف #، ولو صرح في المتن بأن المراد بالواحد هو الأحد المعين كما فعل ذلك في الشرح لكان أولى.

(قوله): «فيصدق عليه» أي: على المعنى المجازي.